عبدالله العطيش أي ذنب اقترفته البراءة حتى يتم حرمانها من التعليم، وما ذنب الأبرياء من الأطفال تلك الأيدي الصغيرة، التي ينكر حقها المجتمع، ويقسو عليها، فما أقسى الحياة حين تُسلب منك الفرحة، حين تصبح الآلام والأحزان لصيقة بحياتك في كل مراحلها ولحظاتها، فهل أصبحت مدينة الإنسانية مندثرة تحت صحراء الأنانية، أم غابت العقول، وثارت الأحقاد، حتى إنه لم يعد في قلوب الجميع رحمة تجاه الأطفال من أبناء وطننا، وأصبح الضمير في غفلة، بل أصبح عملة نادرة، نبحث عنه «أي الضمير» فلا نجده، وإن وجدناه نراه قد لقي حتفه، مرمياً إلى الهاوية، فلا أذن تسمع، ولا قلب يدرك، ولا عقل يفقه، فماذا بعد غياب الضمير وغياب الإنسانية. إننا نتحدث عن غياب الإنسانية، مع الأسف في محيطنا الإنساني، فما حدث للطفل خالد لهو أكبر دليل على غياب الإنسانية، حيث ذهب والده مثل كل الآباء كي يقدم لابنه في إحدى المدارس الحكومية، ولكن لم يتم قبوله لكون أبيه لا يملك هوية وطنية، مع العلم أنه لم يعرف بلداً ولا وطناً ولا أرضاً غير هذه الأرض الطاهرة، ففيها عاش ومات أجداده، وآباؤه، وعاش فيها هو أيضاً مع أبنائه، وسعى كثيراً، ودق كل الأبواب كي يستخرج الهوية، ولكن دون جدوى، أو فائدة، فما كان من الأب إلا أن تقدم بشكوى إلى رئيس جمعية حقوق الإنسان الدكتور الجليل مفلح القحطاني، حتى لا يحرم ابنه الصغير من أبسط حق من حقوقه، ألا وهو التعليم، فتدخل الدكتور القحطاني، وتم قبول الطفل خالد في إحدى المدارس الخاصة، وليس ذلك رفاهية من والده، الذي ليس لديه دخل ثابت، ولا ضمان اجتماعي، وليس لديه منزل، بل ليس لديه رخصة قيادة، وليس لديه حتى جواز سفر، وليس، وليس، وليس، ولكنه كان مضطراً لإلحاق ابنه بمدرسة خاصة بعد أن رفضته جميع المدارس الحكومية، وتراكمت على الأب المبالغ المدرسية التعجيزية، فهو غير قادر على السداد، وغير قادر على أن يعيش في ظل وطن أصبح يحمي الوافدين، ويقهر أبناء البلد، فما كان من المدرسة إلا أن أخذت ترهب الطفل وتخيفه لعدم سداد والده المتأخرات المالية، بل وتهدد بطرده وهو بين زملائه، فأي مرحلة من اللاإنسانية وصلنا إليها كي نرهب طفلاً ونطرده من المدرسة بتلك الوحشية والإهانة. وفي الختام أود أن أقول: إن حرمان الأطفال من التعليم يمثل وجهاً من وجوه المأساة التي يعيشها البدون، فلماذا لا نضع أنفسنا في مكانهم ولو لثوانٍ معدودة، ثم نسأل أنفسنا: أليس لهم حق علينا وهم إخواننا في العيش الرغيد مثلنا؟ أليس من حقهم علينا أن نمسح الدموع التي تذرفها أعينهم مذلةً وخضوعاً؟ أليس من حقهم علينا أن نستجيب لصرخاتهم، وهم يتألمون من قسوة الحياة، والبشرية على حد سواء. نحن أولى بأبناء شعبنا من أي أحد آخر، فإلى متى سنظل نضع أنفسنا موضع المشاهد، ونحن في قلب الحدث، نراهم يُجرَّدون من جميع حقوقهم، ولا يتحرك فينا ساكن. إن الحرمان الذي يعانيه الأطفال من التعليم، هو المعنى الحرفي للتجرد من الإنسانية، التي أصبحنا نعاني منها بعد ضرب المجتمع، وتجريده من الإنسانية، وتفشي مرض اللاإنسانية فيه. السؤال: مَنْ سيمسح دموع خالد؟ فهو الآن يبكي أمامي بكاء مريراً يقطع أنياط القلوب الرحيمة! الخلاصة: حسبي الله ونعم الوكيل.
مشاركة :