يترقب السعوديون كغيرهم من العرب أحداث الجزء الثامن من المسلسل الشعبي «باب الحارة»، بعد أن وضع بصمته في ذاكرتهم في ثمانية أعوام خلت، كان فيها جزءا من طقوسهم الرمضانية الموسمية، ما فتئ خلالها يرسخ كامل الموروث السوري القديم بكل تفاصيله الدقيقة، من مظهر وجوهر وأسلوب حياة، في صلب ذاكرة المتابعين على اختلاف أجناسهم وجنسياتهم، حتى لم يعد غريبا أن يتناول الخليجي جوانب الحياة الشامية بكامل الدراية والمعرفة، وقد باتت حيزا مهما من الثقافة التي يتشربها عبر الشاشة الفضية كل عام، وبشكل ربما يفوق معرفته بتفاصيل الموروث القديم لمجتمعه المغيب عن مضامين الإنتاجات المحلية التلفزيونية، على النحو الذي فعله السوريون ومن قبلهم المصريون في تأصيل موروثهم عبر إنتاجاتهم الضخمة التي تخطت حدود بلدانهم وعبرت عنهم كما يليق بهم وكما يحبون. متى يفتح السعوديون باب الحارة؟ سؤال مهم يتبادر إلى الأذهان مع كل عام يكتسح فيها إنتاج القنوات والشركات السعودية سوق الإنتاج الدرامي الضخم، سيما في الموسم الرمضاني المكتظ بالعشرات من المسلسلات والبرامج المتنوعة، لا يلامس عادة أي عمل منها الموروث السعودي على النحو المأمول، فخلال عشرين عاما مضت أو تزيد ظل تناول الدراما للحارة السعودية بتنوع ثقافاتها بين الحجاز ونجد والساحل الشرقي خجولا باهتا، ولم يعبر عنها بشكل يرسخها في ذاكرة الناس، فعدا الحلقات المعدودة التي أبرزها «كاراكترا» سعيدان وعليان في أجزاء طاش، والتي عادة ما كانت تقدم النمط القديم للحارة النجدية لا شيء يستحق الذكر على مستوى الإنتاج. إن كانت الحارة القديمة في نجد قد حظيت ببعض الضوء في أجزاء «طاش ما طاش»، ومثلها حارات الساحل الشرقي، فإن الحارة الحجازية لم تستثمر دراميا حتى الآن، ولم تقدم بشكل مؤثر رغم الكم الهائل والغني من الموروث الذي يحتاج إلى من يجيد حياكته دراميا وتقديمه إلى الناس، سيما في ظل القيمة المهمة لهذه البقعة السعودية في كونها النافذة الأكثر إطلالة على العالم، باعتبارها بوابة الحرمين ونافذة السعوديين على العالم. يقول الناقد الفني عبدالله القبيع: «نحتاج أولا إلى من يملك القدرة على الغوص في ثقافة الحارة وحياكة دراما مقنعة تعبر عنها بصدق، لا نحتاج إلى مجرد كتابة نص بعيد عن الواقع الحقيقي، يقدم الحارة السعودية بشكل مصطنع، وللأسف بعد رحيل العمدة محمد صادق دياب أرى أنه من الصعوبة كتابة عمل يعبر عن (حواري جدة)، فالأدباء السعوديون الذين عايشوا الحارات القديمة خصوصا في جدة ومكة يمكنهم أن يقدموا أعمالا مهمة تعبر عن الخصال الحميدة والثقافات التي عاصروها، وهنا مسؤوليتهم في تبني الدعوة إلى إنتاجات ضخمة تخدم هذه النصوص والأفكار».
مشاركة :