كثير من العادات القبلية التي لا أصل لها في الدين ، ولا فرع لها في المنطق ، حينما تناقش فيها فكأنما تناقش حول ميتافيزيقا الوجود والحياة ، أو في ثابت من ثوابت الدين ، وليس في عادة اجتماعية بحتة ، لا تستحق كل هذا التقطيب والعبوس والاحتقان ، وهذا الوابل من اللعنات التي تبدأ بالمناقش ولا تنتهي إلا عند سابع جد له ، إن أتيتهم من جهة الدين قالوا يا سلام .. تركت الدين كله ولا ركزت إلا على هذه ؟! وإن أتيتهم من جهة المنطق قالوا لك بلاش مثالية وفلسفة ، والمحصلة تبقى الأوضاع على ما هي عليه ، وليصك المتضرر جبهته بأكبر جدار. إن أكثر العادات تغولاً وشراسة في المجتمع هي كل عادة معلقة بعرقوب الرجولة ، هذه حقيقة .. حتى وإن كانت دينياً ومنطقياً بعيدة عن هذا المفهوم تماماً، إنما ألصقت به بفعل التأثير الاجتماعي على مر التاريخ ، منها على سبيل المثال مسألة رفض معظم الرجال رفضاً لا هوادة فيه ظهور اسم زوجاتهم أو بناتهم أو حتى أمهاتهم أمام الملأ ولو كان بداعي التكريم والتقدير ، مؤكد أن هذه العادة ما كانت لتكتسب كل هذه القوة والتغلغل في الذهن الجمعي لولا تلبسها بمفهوم المرجلة والرجولة عنوة ، فإذا أراد أحدهم التمرد عليها فكأنما يتنازل عن ذلك اللباس ، ويا كبرها من مصيبة أن يعيّر المرء في رجولته حتى لو كان الدين في صفه؟. هل سمعتم بقبيلة (الكريك)؟ إنها فرع من قبائل الهنود الحمر يعيشون أقلية في الشمال الغربي لكندا ، هذه القبيلة مصابة بذات المرض .. بمتلازمة الرجولة والعادة ، فعندهم مثلاً عادة التمردغ في الثلج كل صباح !! نعم التمردغ ! وهو واجب قبلي على كل ذكر بالغ مهما كانت الظروف والمشاغل ، إذ لا رجولة ولا قيمة لمن لا يبدأ يومه بالتدحرج من فوق تلة ثلجية حتى يبلغ أسفلها أربع مرات يومياً وهو عارٍ تماماً ( ربي كما خلقتني ) ، عادة مضحكة بلا شك .. فأي عقل قد يبتكر مثل هذه العادة ؟ بل من هو الرجل الأول الذي أقنع كل هذه الأجيال بهذا السخف ؟ لقد اقتنع الكريكي الذكر بأن تحديه للبرد القارس واستعداده للسعات ركام الثلج ، فضلاً عن صبره على ما قد يلحق جسده من ضرر فوق نتوءات الجليد الحادة أن ذلك من صميم الرجولة ، مع أن المرجلة الحقيقية هي أن تشمئز من كل هذا ، لكنه داء الهياط الذي يلون الأشياء المقيتة بألوان المرجلة ؟ المشكلة أن أي كريكي قد يتقاعس عن هذا الالتزام القبلي الرجولي سيواجه قبيلته برمتها ، كبيرها وصغيرها .. الأنثى والذكر .. المتدين وغير المتدين ، كلهم سيطالبون بتجريده من ممتلكاته وطرده لكي لا يفسد الأجيال ويشجعهم على ترك عادات آبائهم وأجدادهم. من المؤكد أنه لو قدر لأحد السعوديين الوقوف على مقربة من هؤلاء الناس وهم يتدحرجون عراة فوق الثلج لاستهجن ما يقومون به قطعاً ، ولأخذ يضرب كفاً على كف ولسان حاله يقول (الحمد لله على نعمة العقل) لكن ماذا لو علم الكريكي أن هذا السعودي يرى في ظهور اسم ابنته أو زوجته أو أخته للملأ انتقاصا من رجولته !! حتما هو الآخر لن يتوانى عن ضرب كف بكف في كل مرة يمردغ أنفه بالثلج ولسان حاله يقول (الحمد لله على نعمة العقل).
مشاركة :