قال أبو عبدالرحمن: أحياناً يكون الجمال في أسمى درجاته في النفس (الوجدان) وفي الموضوع عنصراً في الإبداع دالاً على القدرة، وتحقيق المراد بالإتقان والمهارة والحكمة ؛ فتكون عناصر قيمتي الحق والخير هما البارزتين، وتكون العناصر الجمالية السامية نتيجة لمطالب القيمتين كما في قوله تعالى: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} (سورة الملك/ 3)؛ فيبرز من هذا النص الكريم غاية الإتقان حسب مراد الخالق فيما يمكن أن يصل إليه علمنا من الحفظ لخلق الله على مراد الله، وقيام المخلوقات بقدرة وعلم وإرادة خالقها، وظهور معنى الملك العظيم من جند الله كالملائكة يحرسون أبواب السماوات وينزلون بأمر الله.. مع مظاهر جمال الجلال والجمال المحض من التوازن والانسجام.. إلى آخر ما نعلم بعضاً منه بالخبر المعصوم. * لخص شارل لالو من مذهب كانط: أن الجميل يكون ما يعجب عموماً بدون مدرك عقلي؛ فصفته أنه ليس معرفة؛ لأننا لا نعرف شيئاً عاماً إلا بواسطة مدركاتنا العقلية، أو أفكار كلية مجردة.. وكرر العبارة بقوله: ميزة الحكم الاستطيقي أنه يقيم ضرورة ذاتية ممثلة تمثيلاً موضوعياً على أساس افتراض معنى مشترك؛ فالجميل هو ما اعترف الناس (دون مدرك عقلي) بأنه موضوع رضا ضروري.. انظر مبادئ علم الجمال/ الاستطيقا بترجمة مصطفى ماهر ط دار إحياء الكتب العربية لعيسى الحلبي عام 1959م ص 98 - 100. قال أبو عبدالرحمن: الإحساس الجمالي في معظمه انطباع قد لا يستطيع المتذوق تعليله، وقد تذهب روعته بالشرح والتعليل والتحليل، ولكن حكمنا على الذوق معرفة عقلية حسية نفسية تاريخية موضوعها انطباع النفس ومواصفات الموضوع.. والرضى الضروري للناس متعذر؛ لاختلاف ما يؤثر من الأديان والمذاهب، واختلاف التربية الثقافية.. ولكن الذي يتحقق إنما هو مستوى أعلى من الذوق لفئة متميزة الثقافة سوية العقل والنفس في انطباعات مشتركة لا يتعلق بها حكم ديني أو مذهبي، وقيمتا الحق والخير تشهدان للمستوى الأعلى الأمثل.. ورأى كانط - على الرغم من عبقريته -: أن اعترافنا بجمال شيئ ما إنما هو حكم ذوقي جمالي؛ لأننا لا نعتمد على الفكر سعياً وراء معرفته، وإنما نعتمد على المخيلة انطلاقاً من شعورنا الذاتي [(يعني النفسي الوجداني) باللذة أو الكدر.. انظر كتاب ((في الجماليات/ نحو رؤية جديدة إلى فلسفة الفن)) للدكتور علي أبو ملحم/ المؤسسة الجامعية للدراسات ببيروت/ الطبعة الأولى عام 141هـ ص 25: عن كتاب كانط ((نقد ملكة الحكم)). قال أبو عبدالرحمن : الحاكم بالجمال في شيئ ما قد يعلل، وقد يحيل إلى ذوقه بلا تعليل.. وفي كلتا الحالتين فذوقه مردود إلى مواصفات في الموضوع، وإلى انطباعات في نفسه، وتلك المواصفات والانطباعات مستقرأة تاريخياً من تصنيف مستويات النفوس والمواصفات الموجودة فيما هو خارج الوجدان النفسي؛ فيكون الحكم الوجداني الذي يسمونه ذاتاً - قال أبو عبدالرحمن : بعد ما حققت أن (الذات) لا تكون بمعنى النفس اضطررت إلى تصحيح كل ما كتبته سابقاً بهذا اللحن الشائع - حقيقةً وجودية تجاه مواصفات الموضوع، ويكون الحكم في الذوق علواً وهبوطاً حقيقةً تاريخية من جراء التصنيف الفئوي، والمواصفات والانطباع موضوع للفكر والمعرفة؛ وإذن فالإحساس الجمالي شيئ، وكون ذلك الإحساس ( الذي هو انطباع من موضوع خارج الوجدان شيئ آخر)؛ فانسلاخ كانط من المعرفة الفكرية النفسية التاريخية التحليلية مغالطة كبرى. * قال لسنج عن رفائيل - فنان عصر النهضة -: ((لقد كان من الممكن أن يكون رافائيل مصوراً عظيماً حتى ولو قدر له أن يولد أشوه مقطوع اليدين))!!.. ورد الدكتور علي عبدالمعطي محمد بقوله: لولا اليد لما أبدع رافائيل تصويراً عظيماً أو حقيراً.. إن قول لسنج نوع من المبالغة التي لا يحفل بها العلم أو الفن.. وذكر ميكائيل أنجلو عن نفسه: أنه كان ينحت بفكره لا بيده!!.. فقال الدكتور علي: لولا يد ميكائيل أنجلو (بعد الله) لما أبدع فنه.. إلخ.. انظر فلسفة الفن رؤية جديدة ص 144 - 145 للدكتور علي عبدالمعطي محمد/ دار النهضة العربية ببيروت عام 1405هـ. قال أبو عبدالرحمن: كلمة لسنج الأولى غير معقولة، وإنما هي مبالغة تلقائية بدافع فرط الإعجاب، ولكلمته تجوز مقبول معقول، وبقية رد الدكتور علي الذي لم أنقله مماحكة.. ووجه المعقولية : أن الرسام لا يعبث بيده ؛ فيخلب بفنه تلقائياً، وإنما ينطلق عن تجربة فنية، وذوق في حضانة الإحساس الفني.. والذوق والتربية والتجربة لا عطاء لهما إلا بحضور فكري، والله المستعان، وإلى لقاء قريب عاجل إن شاء الله، وعليه الاتكال. ** ** كتبه لكم: أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -
مشاركة :