لماذا لاقت رواية مثل «عداء الطائرة الورقية» لخالد حسيني نجاحاً باهراً وتُرجمت لعشرات اللغات وتأثر بها كل من قرأها؟ بل لا زال اهتمام القراء بالرواية مستمراً رغم مضي أكثر من عشرين عاماً على نشرها، وقد لامست ذلك بنفسي أيام معرض جدة الدولي للكتاب 2023م حيث الإقبال المتزايد على شراء طائرة الحسيني! ثم ما سبب نجاح رواية «هاري بوتر وحجر الفيلسوف» وتحويلها لفيلم ومسرحية «وهدايا رمزية، وحتى منتزهات ترفيهية» وإقبال الكبار قبل الصغار على الرواية؟ بالرغم من كون فكرتها مستهجنة وغريبة! فبدلاً من ذهاب الأطفال للمدرسة حيث العلوم النافعة، يذهب طلاب عالم هاري بوتر إلى مدرسة لتعلم السحر! وما هو سر نجاح رواية «بؤس» لستيفن كينغ، عرّاب أدب الرعب في عصرنا الحالي، التي تُصنف من أفضل الأعمال الروائية وأكثرها انتشاراً، والتي وبالمناسبة «تتعلق بمؤلف يكافح من أجل تأليف أفضل عمل روائي في حياته». للإجابة على الأسئلة السابقة، وغيرها مما يتبادر لذهن المهتمين بالروايات، تخبرنا جيسيكا برودي الكاتبة الأمريكية التي صدر لها أكثر من خمسة عشر رواية وترجمت ونشرت كتبها في أكثر من ثلاث وعشرين بلداً، مؤلفة كتاب «إنقاذ حياة القطة» أن سر نجاح الروايات هو في «ضبط وتيرة إيقاع القصة». هكذا بكل بساطة نصف سطر هو المكون السحري للرواية الناجحة على مر العصور. أمر آخر مهم -وهو تساؤل لطالما شغلني- كيف يتفق ملايين الأشخاص بلغاتهم المختلفة وثقافاتهم المتنوعة للإعجاب برواية معينة، فُيكتب لها النجاح والانتشار؟ تقول جيسيكا إجابة على هذا التساؤل: «إن ما يجعل بعض القصص عظيمة وناجحة هو كوننا نحن البشر نستجيب لأنواع محددة من عناصر سرد القصص. وعند ترتيب العناصر بشكل صحيح، فإن هذه القصص تجعل قلوبنا تغني وأرواحنا تطرب، والإنسان الذي بداخلنا ينتشي ويهتز مثل الشوكة الرنانة». أنا أعلم بأن البعض سوف يصنف كتاب «إنقاذ حياة القطة» كتاب تجاري يصب في موضة «تعلم الكتابة الإبداعية» ومن حسن الحظ أن مترجمة الكتاب شهد الراوي استبقت الأحداث ووضحت بأن « الكتابة الإبداعية… لا تصنع روائياً» وأن « هذا الكتاب لا يحد من مغامرة الروائي، بل يساعده على معرفة الهيكل الداخلي، الذي يحكم حركة تقدم الرواية إلى الأمام. حتى أولئك الذين يفكرون دوماً بكسر القواعد وتهديم الأنماط لكي يأتوا بالجديد، عليهم أولاً معرفة ما هي هذه القواعد والأنماط من أجل تجاوزها وكسرها». ثم تخبرنا جيسيكا في تقديم الكتاب عن «الثالوث المقدس للرواية» وعناصره «الحبكة والهيكل وتحول الشخصية» وتوضح أن «العملية الإبداعية أمر غامض للغاية ويختلف من شخص إلى آخر» وأنها في هذا الكتاب لا تهدف إلى تغيير طريقة كتابة المهتمين بتأليف الرواية سواء كانوا من فئة «المزاجيين» الذين «يدشنون الكتابة دون أي مخطط واضح وينطلقون على هواهم ليكتشفوا الأمر أثناء الرحلة» أو كانوا من فئة المخططين الذين «لا يمضون بكتابة رواياتهم قبل وضع خارطة طريق واضحة». والآن لعل من المناسب أخذ جولة سريعة على فصول الكتاب، نظرة خاطفة، ومضة لا تُغني شيئاً عن الإطلاع الكامل للكتاب. في الفصل الأول تناولت جيسيكا البطل ذاك الذي يستحق «أن تؤلف رواية كاملة لأجله، البطل الرائع الذي لا ينسى بسهولة» بهذا الوصف طرأ على ذهني زوربا وجيمس بوند كشخصيات روائية على قيد ذاكرة القراء في كل مكان وزمان. ثم شرحت المؤلفة «لماذا يجب أن يكون بطل الرواية في حاجة ماسة إلى التحول؟» والعناصر الثلاثة المهمة لخلق أو تكوين أو صناعة (سموها ما شئتم) شخصية روائية ناجحة، وهي أولاً «وجود مشكلة أو عيب شخصي في البطل بحاجة إلى إصلاح، ثانياً طلب أو هدف يسعى خلفه البطل، وثالثاً حاجة أو درس يجب أن يتعلمه البطل من الحياة». أما الفصل الثاني وهو الفصل المهم في الكتاب حيث تشرح جيسيكا بالتفصيل النقاط الخمس عشرة لمنهج إنقاذ حياة القطة، أو كما تُعرف بين القراء الحبكة! وفي الفصل الثالث توضح أنواع الروايات وفق تصنيف «منهج إنقاذ القطة». هنا لا يوجد ما يسمى بالرواية الرومانسية، الكوميدية، الرعب، الغموض، الإثارة، «بل إنها أطلقت على هذه المسميات نغمة الرواية وليس نوعها». لدى جيسيكا عشرة أنواع للروايات شرحتها باستفاضة في عشرة فصول وذكرت أمثلة عامة وقامت بشرح مثال واحد بالتفصيل «لمعرفة كيف تنطبق نقاط إنقاذ القطة على أكثر الروايات نجاحاً». يأتي الفصل الرابع عشر بعنوان «الإيجاز المكثف» ليساعد الكاتب على تلخيص الرواية في صفحة واحدة فقط. ثم تشرح بالتفصيل كيف تختصر روايتك على هيئة سطرٍ واحدٍ شامل مشوق «يمكن استخدامه لعرض الرواية على الوكلاء الأدبيين والمحررين والناشرين والقراء وحتى على منتجي الأفلام». أخيراً تختم الكتاب بفصل «الأسئلة المتكررة» وتقدم فيه جيسيكا «حلولاً عملية لأكثر ست مشكلات شائعة، تواجه كتاب الرواية». قد يتبادر إلى الذهن بعد عرض ملخص الكتاب أنه مناسب فقط لمن أراد كتابة رواية، أو للذين يقدمون دورات الكتابة الإبداعية في مجال الروايات فيكون هذا الكتاب بمثابة المرجع المسكوت عنه خلال دوراتهم، ولكن هذا الكتاب -من وجهة نظري- وجبة كبيرة دسمة تُشبع قبيلة المهتمين بالروايات. فالكتاب مناسب جداً لقراء الروايات الذين يتساءلون لماذا يُعجبني نوع معين من الروايات ولا أستطيع إكمال روايات أخرى؟ رغم أنها مثلاً تدور في ذات الحقبة الزمنية، أو خرجت من جبة لغة واحدة. الكتاب أيضاً مناسب للذين يرغبون بكتابة مراجعات مشوقة حول الروايات، لأنهم وببساطة شديدة سيعلمون كيفية تسليط الضوء على مفاصل الرواية المهمة دون إفساد «حرق» أحداثها على القراء الآخرين. كذلك أرى أن إطلاع أصحاب دور النشر على كتاب «إنقاذ حياة القطة» أمر مهم وسوف يختصر علينا -نحن العرب- طبع ونشر روايات لا علاقة لها بالروايات. والشيء بالشيء يذكر، فإني من مقالي هذا أقف كناصح أمين لكل محرر يعمل في دار نشر بضرورة قراءة ودراسة وإعادة قراءة كتاب «إنقاذ حياة القطة» لأنك عزيزي المحرر بعد قراءة الكتاب، ستتعامل مع المحتوى الروائي الذي بين يديك بطريقة إبداعية تناسب العصر الذي نعيشه، وتناسب نوعية القراء الذين ترغب دار النشر باستقطاب محافظهم واهتمامهم لقراءة الرواية والتعليق عليها وانتشارها. الكتاب لن يعلم ويفهم المحررين صنعتهم، بالطبع لا. ولكنه سوف يجوّد عملهم، وبالتالي ترتفع جودة الروايات الجديدة المُنتظرة. وأخيراً، بعض الروايات لو أعيد ترتيب أحداثها، وسارت شخصياتها على خريطة واضحة المعالم، لتمكنت من الوصول إلى مراكز النجاح الأولى. أنا لا أقول بأن كتاب «إنقاذ حياة القطة» سيُخرج مارد الكتابة العظيم بداخل الكُتّاب، ويصلح ما أفسده الارتجال السردي بلا نقاط وصول واضحة، ولكني أكاد أجزم أن من يطلع على الكتاب، ويقرأه بعين الاهتمام، ستُضاء في عقله قناديل الصنعة الروائية.
مشاركة :