في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 باشر "حزب الله" من تلقاء نفسه خوض حرب "مشاغلة" مع إسرائيل "دعماً للمقاومة في غزة" و"تخفيفاً للضغط عن القطاع". في 14 شباط (فبراير) 2024 أي بعد مضي 131 يوماً من القتال على جانبي الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، بلغت خسائر الجانب الإسرائيلي عشرات القتلى والجرحى من الجيش وعدداً آخر من المدنيين وتضرر المواقع والإنشاءات العسكرية، إضافة إلى تقلص قدرة الردع الإسرائيلية التقليدية. في المقلب الآخر، سقط أكثر مئتي مقاتل لـ“حزب الله"، وبضع عشرات من المدنيين آخرهم في مدينة النبطيّة ليل الأربعاء – الخميس الماضي، وتدمير المئات من الوحدات والمربعات السكنية والتجارية كلياً أو جزئياً على طول حزام القرى الحدودية. مع كل ما حصل يطرح السؤال البديهي: هل تحقق شيء من الأهداف التي وضعها "حزب الله" منفرداً لحرب "المشاغلة"؟ طبعاً لا. لا يزال القتال دائراً في غزة. وصلت العملية البرية الواسعة إلى مرحلتها النهائية عبر اختراق مدينة خان يونس، والإعداد لاجتياح مدينة رفح وصولاً إلى الحدود بين غزة ومصر. لم يعد الحديث يدور حول قدرة حركة "حماس" والفصائل على الانتصار، ولا حتى على الصمود الدائم، بل الحديث الجديّ يدور حول اليوم التالي. ومن يحكم غزة بعد خروج حركة "حماس" من القطاع؟ ومن يعيد إعمار غزة، وبأي أموال؟ كما لم يعد الحديث يدور حول اشتعال المنطقة بعدما أوشك قطاع غزة على السقوط من دون أن تترجم شعارات محور "الممانعة" الذي تقوده طهران في الإقليم و"حزب الله" في الساحة اللبنانية. لقد سقطت كل الشعارات من قبيل التهديد بإزالة إسرائيل من الوجود في أقل من 7 دقائق ونصف دقيقة، أو تحرير القدس في العام المقبل، أو حتى وصف إسرائيل ومن خلفها الغرب بأنهم أوهن من بيت العنكبوت. الواقع مختلف تماماً عن الشعارات التي أنتجتها ماكينة "البروباغاندا" الإيرانية على مدى العقود الأربعة السابقة. وقامت على بيع الشعوب العربية الأوهام. والمفارقة أن الشرائح الأوسع من الشعب الإيراني، ومن قواه الحيّة، لا سيما في المدن الكبرى انفضّت عن النظام وشعاراته إلى حد أن الأخير يحتاج إلى ممارسة القمع الدموي دورياً لضبط المجتمع المعارض ضبطاً كبيراً. في لبنان يمكن القول إن حرب "المشاغلة" بنتائجها حتى الآن تكشف بوضوح أنها لم تحقق الهدف المعلن منها بلسان الأمين العام لـ“حزب الله" السيد حسن نصر الله، وقد تحولت الحرب إلى ورطة للبنان، وورطة لـ“حزب الله" الذي يفقد يومياً مقاتلين وقادة ميدانيين، فيما ترتفع الكلفة التي يدفعها المواطنون العاديّون في الجنوب اللبناني باطّراد. ومعها ترتفع الكلفة غير المباشرة على اقتصاد البلاد واستقرارها وسط اضمحلال الدولة اللبنانية وتحلل مؤسساتها الرسمية جرّاء السطو المنهجي على مقدراتها واختصاصاتها السيادية. كل ذلك يدفع المراقب إلى الاستنتاج أن حرب "المشاغلة" تحولت إلى ورطة يحتاج لبنان إلى الخروج منها بأسرع وقت، بفصل حرب لبنان عن حرب غزة تماماً. وبإتمام صفقة سريعة لوقف إطلاق النار الفوري، وإعادة الاعتبار إلى القرار 1701، وإطلاق مسار تفاوضي سياسي لترسيم الحدود، وآخر اقتصادي لتأمين الدعم المالي الطارئ للجيش، توازياً مع تحريك عمليات التنقيب عن الغاز في "البلوكات" التي لم يتم التنقيب فيها حتى الآن.
مشاركة :