الأسطورة والملحمة أحد سياقات فنون الأدب القديمة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، والتي عرجت لحيوات ومشاهد وحوادث وأحداث حقيقية وخيالية أو جمعت بينهما، عبرّ من خلالها الإنسان عن رؤيته للحياة وما يعتمل فيها، وما يصارعها ويتصارع فيها، وحاول من خلالها أن يجد إجابات شافية تُريح عقله المتسائل دائماً عن ماهية الكون وغموضه، وعلى الرغم من أن الأسطورة والملحمة كيانان أدبيان مختلفان إلا أنه كثيراً ما يتم الخلط بينهما، "سيدتي" التقت الباحث في الأدب الإغريقي نادر نبيل عبد المولى؛ ليفك الاشتباك ويُظهر الاختلاف ويخبرنا عن الفرق بين الأسطورة والملحمة. الأسطورة عامل مشترك في الفكر الإنساني الأسطورة عامل مشترك في الفكر الإنساني يقول عبد المولى لـ"سيدتي": يعرف كثير من الناس العديد من الأساطير حول أبطال وملوك العصور اليونانية القديمة، ويرى المختصون أن الأسطورة عامل مشترك في الفكر الإنساني، فقد فسرت للإنسان كثيراً من المستغلقات التي تربصت بعقله، وأرهقت فكره، فاضطر للجنوح للخيال ليجد ملاذاً آمناً يُريح العقل من تساؤلاته التي لا تنتهي، والأسطورة قيمتها كبيرة؛ فهي ترتبط بوشائج شديدة الصلة بفنون الأدب وعلوم اللغة والفلسفة، أما الملحمة فارتباطها أكبر بأجناس الأدب وعلوم اللغة وجمالياتها، وهي تمتاز بأن صياغتها مرتبطة وبشدة ومعبرة عن الواقع بشكل لا يقبل الجدل. الأسطورة ترمز للعديد من المعاني يأتي مصطلح "أسطورة" من اليونانية مأخوذة من (Mutho) وتعني "القصة الأسطورية"، والأسطورة مشتقة من السطر أو الصفر، وقد استخدمت قديماً من أجل تفسير كل الظواهر غير المألوفة، والأسطورة كمعنى اصطلاحي تم استخدامها بالعديد من الأنساق بشكل مختلف، فهي ترمز للعديد من المعاني: عندما نتحدث عن "أسطورة" في الحياة اليومية، فإننا غالباً ما نعني شيئاً مختلفاً أو غير معقول أو خيالي؛ حيث تستخدم الكلمة لتصوير بعض الادعاءات أو الآراء الشائعة؛ لتظهر أنها غير منطقية أو غير صحيحة. نستخدم مصطلح "أسطورة" بشكل إيجابي عندما نريد تسليط الضوء على شخصيات مشهورة بشكل خاص؛ لنصف عظمتها وتفردها؛ فمثلاً نقول "الأسطوري عمر المختار"، "الأسطورة مايكل جاكسون". نستخدم "الأسطورة" عندما نصف قصصاً بطولية أو ظواهر ذات سمت إعجازي أو مبهر أو كائنات خيالية؛ مثل "أسطورة التنين العظيم" في الصين و"أسطورة بحيرة لوخ نيس" عن الوحش الخرافي لوخ نيس. تشير الأساطير كذلك إلى قصص قديمة جداً، فقد نشأ العديد من أساطير الأبطال والعظماء والملوك في اليونان القديمة - على سبيل المثال، فهناك "أسطورة الملك أوديب" شهيرة تحكي عن المصير المأساوي للملك أوديب، الذي تنبأ بقتل والده والزواج من والدته. وعلى الرغم من أنه يحاول الهروب من هذا المصير الرهيب، إلا أن التنبؤ يتحقق ويفقأ أوديب عينيه من اليأس. أو "أسطورة بروميثيوس"، الذي تحالف مع البشر، وكعقاب له، تم تقييده بالسلاسل من قبل زيوس ليأكل النسر كبده كل يوم. استخدمت الأسطورة كذلك؛ لتبرز ظواهر الطبيعة مثل نشوء الكون أو خلق الإنسان وغير ذلك من الموضوعات التي تتناولها الفلسفة، حيث عدت الأسطورة اللبنة الخصبة للفلسفة؛ حيث الأسطورة تعتمد على الخيال والأشياء غير المألوفة، والفلسفة تعتمد على العقل والمنطق. وإذا أردت العودة لأجواء الأساطير يمكنك متابعة الرابط: منحوتات أوليفر مارينكوسكي تدمج أناقة العصور القديمة مع الجاذبية المعاصرة الملحمة لا تتجاوز الواقع تقوم الملحمة على المعارك الخارقة وما يتجاوز العقل من بطولات الأبطال تدور الملحمة حول سياقين: السياق الأول يأتي بمعنى الحرب والمعركة، فالملحمة تأتي بمعنى وقعة شديدة في حرب شرسة يكثر فيها القتل، تقع بين طرفين أو قوتين متصارعتين فيحدث النزال بينهما، ويشتد القتال بين الفريقين، وهنا يأتي وصف المعركة بالملحمة؛ حيث تروي الملحمة الأحداث وتصف الجيوش. السياق الثاني ويأتي بسياق الأدب والتاريخ، وتكون بمعنى عمل قصصي له قواعد وأصول يكون أبطاله من الملوك والشخصيات العظيمة القديمة ذات الشأن الرفيع في زمانهم. تقوم الملحمة عامة على الأعمال البطولية متضمنة الخوارق والمستحيلات، وما يتجاوز العقل من شجاعة نادرة يتم تمجيدها والإشادة بها بلغة المبالغة؛ حيث يتم سرد مآثر بطل (حقيقي أو أسطوري) يجسد المُثل العليا، ولا تتوقف الملحمة عند القصص الأدبية النثرية، وإنما قد تتجاوز نسقاً أدبياً أكثر رصانة وتنميقاً، فتصل للشعر كالإلياذة عند الإغريق والشاهنامة عند الفرس، وملحمة جلجاميش من الحضارة السومرية، وعند العرب نجد سيرة عنترة وأبو زيد الهلالي، ويعرف هذا النسق الأدبي "أدب الملاحم". يقول عبد المولى: ما يلفتنا كثيراً هو أن الملحمة التي تأتي بمعنى المعركة أو الحرب الشديدة والملحمة الأدبية؛ تتشابهان في كونهما موطئاً للبطولة وقصص الأبطال، فقصص المعارك الحربية كلما زاد فيها النزال تتحول لملاحم، وفي الوقت الذي تكون فيه الملاحم الأدبية في أغلبها مطولة شعرية تمزج ما بين الخيال والواقع أو تجنح للخيال دون الواقع، فإن الملاحم الحربية تكون من صميم أرض الواقع. الفرق بين الأسطورة والملحمة الأساطير والملاحم للأبطال الخارقين تتوارثها الأجيال يوضح عبد المولى أن الأسطورة بعيداً عن استخداماتها وفق العصر الحالي، فهي في عمقها قصة قديمة ذات سياقات وصياغات مبالغة تكون خيالية تماماً، أو تمتزج بها عناصر الحقيقة والخيال، وأبطالها هم أبطال مميزون يتم تقديسهم من قبل الشعوب لمهارتهم وجسارتهم وتفردهم، لذلك فالأسطورة تمتلك طابع القداسة، بينما الملحمة كما ذكرنا ما هي إلا سرد لقصة شعبية مؤثرة أو حادثة تاريخية توقف عندها الزمان، فقد أثرت في موازين القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية في وقتها، والملحمة تتوارثها الأجيال؛ وكل جيل يُعيد صياغتها وفق ذائقته الأدبية والابتكارية، والتي لا تقل مبالغة عن الجيل السابق، وفيها تمترج عناصر الحقيقة والخيال ويكون أبطالها من البشر. وبالنهاية فإن كلاً من الأسطورة والملحمة سحرهما لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا، فيتم باستمرار تناول كل من الأساطير والملاحم وإدخالها في سياقات فنية أخرى مثل المسرحيات أو الأوبرات أو القصص الأدبية؛ حيث يعاد تفسيرها وتنقيحها لتتناسب مع العصر. وإذا أردت الدخول لعالم الأساطير يمكنك ذلك عبر ابتكارات من قصص الأساطير السعودية في المهرجان السعودي للتصميم
مشاركة :