فضل شاكر اعتزل.. لن يعتزل!

  • 4/6/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تصنع الثقافة الجماهيرية أبطالها بإنتاجهم في مرحلة أولية، ومن ثم أثره على المتلقين، فالمتابعون أو الجمهور يشكل المرحلة الثانية مما يدعى الثقافة الجماهيرية. ويندمج هنا الإنتاج والحدث والأثر أو التفاعل إلى حالة جماهيرية تتعدى العناصر الأولية والمصنعة والناتجة، أي تتجاوز الإنسان وملكاته من الموهبة والمهارات المكتسبة، ووسائل الإنتاج والتسويق، وبناء السمعة الإعلامية وتعزيزها وتنميتها. وما يختلف بين منتجي الثقافة من جهة والفاعلين في المجال السياسي والحقول الخدماتية بأن الظروف التي تعلي من شأنهم ذاتها تخسف بهم!. غير أن رموز الثقافة من الشعراء والروائيين والمغنين والممثلين والراقصات تضاف إلى أعمارهم أعماراً متزايدة في الذاكرة الثقافية بشهادة التاريخ، فكلما بقي الإنتاج الثقافي متشابكاً ومتجادلاً ومشاركاً في تحولات المجتمع بتفاوت المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية توثقت العلاقة ما بينه والمجتمع لكونه يحمل تلك الرموز المعبرة عن القيم والأفكار والمبادئ الصائغة هويته والممثلة لوجوده ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. إذا كان الإنتاج الثقافي يواجه تحويله الوسائلي منتزعاً من سلطته لخدمة سلطات الإيديولوجية والطائفية، فهو يعاني بصورة أخرى من سلطات تتحكم في توجيهه وتمثيله كالسلطات الثقافوية –المؤسسات والجماعات- والإعلاموية في صياغة أحداثه وتفسيرها في المواد المختلفة في الاستعادة أو اتخاذ موقف أو في تكريس ذاكرته من مدير قناة يوتيوب أو مشرف أو مدير مجموعة في أحد المواقع الاجتماعية. وفي حال اختلال سلطة الثقافة مقابل تلك السلطات المختلفة، فإن ما يتحكم بمنتج الثقافة متغيرات ربما تنهي وجوده الفاعل وتحوله إلى مكانته الرمزية أي تقتله بالاستبعاد والتهميش أو دفعه إلى الاعتزال سواء بمبرر سياسي أو ديني أو شخصي، وفي بعض الأحوال حين تتغير تلك الظروف يمكن أن تكون لحالة الاستئناف شروطها بالاستمرار أو التعثر مجدداً. ويمكن أن نتأمل نموذج الممثلة سهير البابلي وفضل شاكر ما بين حقل التمثيل والغناء بوصفهما حالتين تلفتان النظر لعدم استطاعتهما الإقناع بالتبرير لهذا التوقف، لامتلاكهما موهبة وقبول لا يؤتى لأحد مع مراعاة القرار والمسؤولية الفردية في الاستمرار أو الابتعاد، ومن ثم التحول لفترة ثم استئناف العودة باعتبار أن غرس عقدة الذنب بولغ فيها من قبل كتيبة كاملة من الوعاظ تجنت في كثير من الأحيان على حقل الأدب والفن في خلط ظاهر لسوء النموذج ورداءة المنتج مقابل تصعيد ذلك ممن أوجدوا أو أقحموا حقل الأدب والفن لأسباب تغطي نشاطهم إذ بعد أن توقفوا/توقفن أو انتهت خدماتهم تحولوا إلى نماذج تمتلك رأسمالا ثقافيا بالتقادم تمنحها وسائل الإعلام فرصة تعميم التوبة لتفضل في بعدها النظري على البعد السلوكي!. وهذا ما يتخطى مجالات الفضاء العام كالسياسة والرياضة والثقافة بقياسها على مجالات الفضاء الخاص كالذاتي والشخصي والفردي!. لن أتحدث عن حالة سهير البابلي، فأحد أبطال روايتي "سورة الرياض" (2007) أفضى عنها بما لا مجال له هنا، بينما تلفتني حالة فضل شاكر التي يتشابك فيها الطابع الاجتماعي والاقتصادي ومن ثم الثقافي والسياسي. ففي مقالة استقصائية كتبها كل من الصحفيين حازم الأمين وريان ماجد بعنوان "فضل شاكر القصة الكاملة" (وقع لبنان الآن، 2013) حاولا عرض كل الأسباب التي جعلت من فضل شاكر من زعيم الرومانسية في الغناء العربي لما يقارب عقدين 1996-2012) إلى حالة الشيخ زعيم "شباب فضل". تتركب سيرة شاكر ما بين الأصل الفلسطيني واللبناني الملتبس، أي عائلة شمندر البيروتية أو شمندور الفلسطينية المجنسة، ويقابله العيش في صيدا ما بين حي التعمير ومخيم عين الحلوة الفلسطيني، وانتماء والده وأخيه إلى التنظيم الشعبي الناصري ثم انتقال أخيه إلى الجماعة الإسلامية، وبين عمل فضل شاكر مع فرقة موسيقية من بيت آل سمرا الفلسطينة في مخيم عين الحلوة، ومن ثم الانتقال إلى بيروت وفرصة التعاقد مع شركة الخيول السعودية 1996 وانطلاق نجوميته في العالم العربي. ومن بعدها مفاجأة جمهوره في حفله بالمغرب عام 2011 بأنه اعتزل الغناء!. إن مجتمعاً يحتكم إلى حالات عنف لفظية وجسدية بين الاستضعاف الطائفي وخراب المقوم السياسي وانعدام الأمان النفسي تدفع إلى تطرفات إيديولوجية وطائفية كذلك إعلاموية وثقافوية. ثمة أحداث تترسب في الذاكرة الجماعية مثل شعور النفي الفلسطيني، والاستضعاف الطائفي، وتقويض الأمن العسكري في حوادث عدة من الحرب الأهلية واجتياح بيروت واغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتعارك السني – الشيعي ما بين فضل شاكر وراغب علامة بسبب استهزاء الأخير بالرئيس فؤاد السنيورة وميله السياسي إلى حزب الله. لعلها كل هذه الأحداث والأسباب دفعت شاكر إلى أكثر من إجراء بالنشاط التجاري لتأمين عائلته اقتصادياً وامتلاك السلاح والتدرب عليه مع أقاربه ومن يلزمه، والتعاطف مع "إخوان أحمد الأسير" سواء بطرف من أخيه محمد وابن أخيه أو بما يعبر عن التحامي الأهلي بين جماعة تشترك بمصيرها في لحظة تشابك في معركة جمعت كل من الجيش اللبناني وحزب الله وجماعة الأسير وشاكر. ظهرت صورة المقاتل شاكر لتصادم شخصية المغني في الذاكرة الثقافية وتبدي التساؤل عن تحولات توهم بأنها مفاجأة لكن لكل حدث من أسباب ودوافع مترسبة. ربما تتغير الأسباب المفضية إلى أحداث تخلق تطرفات فتتحول إلى توازنات، فهل تعيد شاكر إلى نشاطه الثقافي؟. قدمت شيرين ذلك النداء اليائس في حفلتها بمهرجان فبراير 2016 وأدت لشاكر أغنية "نسيت أنساك" تفاعل الجمهور في ذاكرته مع المغني شاكر لا المقاتل لحظتئذ تكون الجملة: اعتزل لن يعتزل!.

مشاركة :