أصدرت منظمة "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية في الأسبوع الماضي تقريرهما الشهري حول سوق النفط وتوقعات مسار الطلب والمعروض خلال إجمالي العام الحالي. وتستمر هوة الخلاف بين المنظمتين في الاتساع، حيث تقدم "أوبك" تصورًا إيجابياً لسوق النفط وآفاق الطلب، بينما ترسم وكالة الطاقة صورة متشائمة. أوبك تصدر توقعات إيجابية - أبدت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" تفاؤلها بشأن آفاق الطلب العالمي على النفط خلال العام الجاري، مع تحسن الاقتصاد العالمي. - في تقريرها الشهري الأخير، أبقت "أوبك" توقعاتها لنمو الطلب على النفط عند مستوى 2.25 مليون برميل يومياً في عام 2024. - تعد التوقعات حيال الطلب هذا العام قريبة من النمو المسجل في العام الماضي والبالغ 2.46 مليون برميل يومياً. - امتد تفاؤل المنظمة إلى الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أن الاتجاه الإيجابي للنمو العالمي من المتوقع أن يمتد إلى النصف الأول من العام الجاري. - رفعت "أوبك" توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي في العامين الجاري والمقبل بمقدار 0.1% ليسجل 2.7% و2.9% على الترتيب. - قالت "أوبك" إن ارتفاع أسعار النفط في شهر يناير الماضي جاء بدعم مجموعة من العوامل، ما يتضمن تخفيف ضغوط البيع المضاربي، وتعطل الإمدادات في بعض المناطق، والبيانات الاقتصادية القوية، بالإضافة إلى الإشارات على قوة أساسيات سوق النفط. - ينفذ تحالف "أوبك بلس" تخفيضات طوعية بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً خلال الربع الأول من هذا العام، ما يضاف إلى عمليات خفض تقارب 3 ملايين برميل يومياً في العام الماضي. وكالة الطاقة ونظرة متشائمة - لكن على الجانب الآخر، ترى وكالة الطاقة الدولية أن الطلب العالمي على النفط يشهد حالة من فقدان الزخم. - المؤسسة التي تمثل مستهلكي الطاقة حول العالم ذكرت أن النمو السنوي للطلب على الخام تباطأ من 2.8 مليون برميل يومياً في الربع الثالث من العام الماضي إلى 1.8 مليون برميل يومياً في الربع الرابع. - ساهم ضعف اقتصاد الصين في انخفاض الطلب العالمي على النفط بنحو 830 ألف برميل يومياً ليصل إلى 102.1 مليون برميل يومياً في الربع الأخير من 2023. - الوكالة خفضت توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط إلى 1.22 مليون برميل يومياً في العام الجاري، من تقديراتها السابقة والبالغة 1.24 مليون برميل يومياً. - تعتبر هذه المستويات المتوقعة نحو نصف النمو العالمي للطلب على النفط في العام الماضي والتي بلغت 2.3 مليون برميل يومياً. - ترى وكالة الطاقة أن مرحلة النمو القوي للطلب على النفط بعد الوباء قد وصلت إلى نهايتها إلى حد كبير، مشيرة إلى أن وضع الاقتصاد الكلي العالمي الأكثر صعوبة من المرجح أن يقيد نمو الطلب على الخام هذا العام. ماذا عن المعروض؟ - تتوقع وكالة الطاقة ارتفاع إمدادات النفط بشكل قوي، رغم استمرار خفض الإنتاج من جانب تحالف "أوبك بلس". - رفعت وكالة الطاقة توقعاتها لنمو المعروض العالمي من النفط إلى 1.7 مليون برميل يومياً ليصل إلى مستوى قياسي يبلغ 103.8 مليون برميل يومياً في العام الجاري، مقابل تقديرات سابقة بنمو 1.5 مليون برميل يومياً. - توقعت الوكالة ارتفاع المعروض من خارج تحالف "أوبك بلس" بنحو 1.6 مليون برميل يومياً في العام الجاري، ما يمثل 95% من إجمالي النمو في المعروض العالمي من الخام. - بررت الوكالة النمو المتوقع للمعروض من خارج "أوبك بلس" بالإنتاج القياسي للنفط من الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا. - مع الإمدادات القوية المتوقعة من خارج "أوبك بلس"، يتعرض سوق النفط لخطر وجود فائض في المعروض خلال العام الجاري. - قالت وكالة الطاقة الدولية إن إلغاء تحالف "أوبك بلس" للتخفيضات الطوعية الإضافية مع بداية الربع الثاني من العام الحالي قد يتسبب في ضخ كميات من الخام تتجاوز الطلب. - لكن بنك "مورجان ستانلي" يختلف مع توقعات وكالة الطاقة، مشيرًا إلى أن سوق النفط سيشهد حالة من التوازن هذا العام. - أشار البنك إلى أن تراجع مخزونات النفط العالمية يعكس تشددًا أكثر من المتوقع للسوق، ليرفع البنك توقعاته لسعر خام برنت إلى 82.50 دولار للبرميل في الربعين الأول والثاني من هذا العام، مقابل تقديرات سابقة عند 80 و77.50 دولار على الترتيب. سلسلة طويلة من الخلافات - أصبحت العلاقة بين "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية متوترة بشكل متزايد في السنوات الماضية، مع انتقاد الأخيرة لسياسة إنتاج النفط لدى دول المنظمة. - حذفت "أوبك" في مارس 2021 وكالة الطاقة من المصادر الثانوية التي كانت تعتمد عليها لتقييم إنتاج الدول الأعضاء، بدعوى مخاوف بشأن دقة تقديرات الوكالة. - الخلافات بين "أوبك" ووكالة الطاقة تصاعدت بعد توقعات الأخيرة بتراجع صادرات النفط الروسية بنحو 3 ملايين برميل يومياً بعد الحرب ضد أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو، وهو ما تسبب في تقلبات في أسعار النفط قبل أن تثبت التوقعات خطأها لاحقًا. - الخلاف الأبرز بين "أوبك" ووكالة الطاقة يتمثل في النهج نحو إزالة الكربون، حيث ترى وكالة الطاقة أن الطريق إلى الحياد الكربوني يتطلب تخفيضات هائلة في استخدام الوقود الأحفوري، مطالبة بضرورة عدم القيام بأي مشاريع جديدة للنفط والغاز والفحم. - لكن على الجانب الآخر، يرى مسؤولو "أوبك" أن هناك ضرورة لاستراتيجية مزدوجة تتضمن المشاريع الهيدروكربونية والطاقة المتجددة في نفس الوقت، مع حقيقة أن الأخيرة غير كافية وحدها لتلبية الطلب العالمي بشكل كامل. الخلاف بشأن ذروة الطلب - لا تقتصر الفجوة بين "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية على توقعات الطلب والمعروض في سوق النفط خلال العام الجاري، لكنها تتسع لتشمل مستقبل سوق الخام نفسه. - كرر رئيس وكالة الطاقة "فاتح بيرول" توقعات المؤسسة بشأن وصول الطلب العالمي على النفط إلى الذروة قبل عام 2030، مع التحول للطاقة النظيفة وزيادة استخدام السيارات الكهربائية. - لكن "هيثم الغيص" الأمين العام لمنظمة "أوبك" قال إن توقعات المنظمة على المدى الطويل والتي ترصد الآفاق حتى عام 2045 لا تشير إلى الوصول إلى الذروة خلال العقدين المقبلين. - كانت وكالة "أوبك" قد رفعت في تقريرها للآفاق طويلة الأجل الصادر في أكتوبر الماضي توقعاتها للطلب على النفط إلى 116 مليون برميل يومياً بحلول 2045، بزيادة 6 ملايين برميل يومياً على التقديرات السابقة. - ترى المنظمة أن الطلب القوي على النفط على المدى الطويل سيكون مدعومًا بالاستهلاك في الصين والهند وبعض الدول الآسيوية الأخرى، بالإضافة إلى إفريقيا والشرق الأوسط. - على جانب موازٍ، شمل الخلاف بين "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية مدى الحاجة لضخ استثمارات جديدة في قطاع النفط. - دعت وكالة الطاقة مرارًا لوقف الاستثمارات الجديدة في قطاع النفط، بدعوى أن ذروة الطلب المتوقعة لا تستدعي القيام باستثمارات إضافية. - من جانبه، رد الأمين العام لمنظمة "أوبك" بقوله إن وكالة الطاقة الدولية يجب أن تكون حذرة للغاية بشأن مخاطر تقويض استثمارات صناعة النفط. - انتقد "الغيص" بشدة توقعات وكالة الطاقة، مشيرًا إلى أنها تؤدي إلى فشل نظام الطاقة العالمي والتسبب في فوضى بمجال الطاقة، مع عواقب وخيمة على الاقتصادات ومليارات الأشخاص حول العالم. هل نقترب من الذروة؟ - تميل معظم توقعات محللي الطاقة إلى استبعاد قرب الوصول إلى ذروة الطلب العالمي على النفط، مع الإشارة إلى ضرورة استمرار مشاريع الوقود الأحفوري للوفاء بالطلب المتوقع. - حذرت شركة الأبحاث "مورنينج ستار" من عدم التوازن الكبير بين العرض والطلب في حال عدم القيام باستثمارات كافية في القطاع، مع تجاوز الطلب للقدرة الإنتاجية الحالية. - أشارت شركة الأبحاث إلى أن إنتاج الآبار النفطية الحالية سيتراجع بسرعة، ما يعني أنه بدون المزيد من الاستثمارات في استكشافات جديدة، فإن المعروض سيكون أقل بكثير من الطلب حتى في سيناريوهات التحول السريع للطاقة النظيفة. - يعتقد محللو الشركة أن التوقعات الأخيرة بشأن نهاية قريبة لنمو الطلب على النفط تعتبر "مبالغًا فيها بشكل كبير"، متوقعين وصول الطلب على الخام إلى 88 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050 مقابل 99 مليون برميل في 2019. - كان "كريستيان مالك" كبير استراتيجي الطاقة في "جيه بي مورجان" قد اتفق مع هذه التوقعات، مستبعدًا الوصول إلى ذروة الطلب على النفط في أي وقت قريب، مع استمرار الاستهلاك بشكل قوي في الأسواق الناشئة. - بينما أشار "بنك أوف أمريكا" إلى أنه يعتقد أن الطلب على النفط سيواصل الارتفاع خلال السنوات المقبلة، لكن وتيرة النمو قد تكون وصلت إلى الذروة بالفعل. - ذكر البنك الاستثماري أن عوامل تحول وسائل النقل إلى الكهرباء، وكفاءة الطاقة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، ستساهم في كبح معدل نمو الطلب على النفط في السنوات المقبلة.
مشاركة :