يعود المسرحي اللبناني نبيل الأظن إلى واجهة الفنون المشهدية في باريس، مع مسرحية جديدة بعنوان «Chinoiseries» المأخوذة عن نص يحمل العنوان نفسه للكاتبة والممثلة المسرحية الكندية إيفلين دو لا شونوليير. النص كتب بالفرنسية عام 2005 ويروي قصة رجل وامرأة هما السيد شيتون والسيدة بوتيه اللذان يعيشان كل منهما في منزله، بمفرده، في الطابق نفسه. هما جاران في الخمسينات من عمرهما ويعانيان من الوحدة القاتلة التي تؤثر في مزاجهما وكل ما له علاقة بسلوكهما وحياتهما الاجتماعية. يلتقيان في المصعد كغريبين، لكنّ رابطاً سرياً يجمع بينهما كأنهما عاشا في السابق حياة مشتركة وذكريات لا يعرف المشاهد إذا كانت حقيقية أو من ابتكار مخيلتهما. قام بأداء شخصيتي السيدة بوتيه والسيد شيتون الممثلة كريستين موريّو والممثل جان كلود لوغي، اللذان تميزا بعفويتهما في الأداء والانسجام بينهما في تجسيد حالتين بشريتين معقدتين. ولا بد من التذكير بأن كريستين موريو سبق لها أن عملت مع المخرج نبيل الأظن في مسرحية «بائعات الحلوى» التي قدمت عام 2013 في باريس وبيروت، وهي مسرحية مستوحاة من نص للكاتب البلجيكي جان بيار بيام وتحكي قصة محل لبيع الحلويات والتحولات الكبيرة التي يعيشها بسبب هيمنة الآلة الصناعية التي قلبت المقاييس وفرضت أنماطاً جديدة من إنتاج الحلويات. وإذا كانت «بائعات الحلوى»، وفق المخرج، «فانتازيا حول الزمن والشيخوخة والوقت الذي يمر في زمن التحولات القاسية وصعوبات الحداثة ومشاكلها»، فإن مسرحية «شينوازري» من حيث ما تقترحه على مستوى الشكل لا تشبه إلّا نفسها. يقول الأظن إنّ «كل ما فيها جديد وينطلق من رؤى جديدة. بدايةً، على مستوى الشخصيتين اللتين تبدوان كأنهما جزء من متخيّل لرسوم متحركة. فهما يتحدثان عن نفسيهما بصيغة الغائب كأنّ كلاً منهما يحكي حكاية لنفسه، ثم سرعان ما يعودان إلى استعمال صيغة المتكلّم وكأنّ شيئاً لم يكن. هذا بالإضافة الى الخطاب الذي اعتمدا عليه وهو خطاب متوتّر وحيّ، أليف وغريب في آن واحد. بعض المواقف مفاجئة، غير متوقّعة بل غرائبية أحياناً. باختصار، إنهما كائنان من هذا العالم، بعيدان عنا، قريبان منا، وهما يقتربان واحدهما من الآخر. يتحادثان، يتلامسان، لكنهما لا يلتقيان أبداً». وعلى الرغم من معاناة بطلي المسرحية بسبب العجز والوحدة وتقدمهما في العمر، فإنّ المسرحية لا تقع في الأجواء السوداوية وفي المأساة، بل على العكس من ذلك تتميز بروحها الساخرة، ومن هنا فهي تختلف عن مسرحية «الأمية» التي أخرجها نبيل الأظن وقدمت عام 2014 في باريس وكانت مستوحاة من نص يحمل العنوان نفسه للروائية والكاتبة المسرحية المجرية الراحلة أغوتا كريستوف. ففي ذاك العمل، طرح المخرج موضوعات إنسانية كثيرة تتعلق بالهجرة والهوية الثقافية. فبطلة المسرحية التي أدتها الممثلة القديرة كاترين سالفيا روت طفولتها عند اندلاع الحرب العالمية الثانية وما رافقها من جوع وفقر وبرد، وكيف أن القراءة كانت ملاذها الوحيد الذي مكنها من الخلاص من هذا الواقع وتحقيق ذاتها. لكن مهما اختلفت الأجواء بين مسرحية وأخرى يظل الرابط بينها هو الاعتماد على نصوص أدبية لها أبعادها الفكرية والإنسانية. ويرجع ذلك بالتأكيد الى أن نبيل الأظن هو أيضاً كاتب، بموازاة عمله كمخرج، وله معرفة بنتاج كتّاب كبار في أوروبا والعالم العربي. من هنا الأهمية التي يوليها دائماً لنصوص أعماله المسرحية. وفي هذا الإطار، جاء أيضاً إخراجه للاحتفالية التي افتتحت مهرجان بعلبك العام الماضي في لبنان وشارك فيها كتّاب وفنانون لبنانيون من أجيال مختلفة. تقتضي الإشارة أخيراً إلى أنّ مسرحية «شينوازري» تختصر الحِرَفية التي صاغ بها نبيل الأظن مسرحيته الجديدة، والتقنيات الفنية التــي يعتمد عليها، وكذلك التـصور العامّ الذي بــلغ أوجــه في هـذا العمل، لا سيما مــن حيث النظرة الكثيفة والذهاب نحو الجوهر. من جانب آخر، لم يعمد المخرج إلى اختيار مقـاطع من الموسيــقى الكلاسيكية، كما في أعماله السابقة، بل التفت إلى الموسيقى التصويرية لبعض الأفلام السينمائية المعروفة والتي تقترب بأجوائها من أجواء مسرحيته.
مشاركة :