دير مار اليان في البادية السورية يلملم جروحه بعد انسحاب «داعش»

  • 4/6/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

دير مار اليان في قلب البادية السورية، لم يبق منه إلا الركام بعد إخراج مسلحي تنظيم «داعش» منه الأحد، وهم أبوا إلا أن يتركوا توقيعهم «أسود الخلافة» على أحد جدرانه القليلة التي لا تزال قائمة مع عبارة: «أتيناكم بأسود جياع ترى لحم العدا أشهى طعام». يقع دير مار اليان في مدينة القريتين، التي كانت تعتبر رمزاً للتعايش بين المسلمين والمسيحيين في سورية. تعود إحدى كنيستي الدير المبنية من الآجُرّ والطين إلى القرن الميلادي الخامس، إلا أن ما تبقى منها لا يعدو كونه ركاماً، وفق ما أفاد فريق وكالة «فرانس برس» الذي زار المكان الإثنين. وقام عناصر «داعش» في آب (أغسطس) 2015 بتدمير الكنيسة مستخدمين المتفجرات والجرافات، «بحجة أن مرتاديها كانوا يعبدون إلها غير الله الواحد». ولاحظ فريق «فرانس برس»، أن جمجمة القديس مار اليان وعظامه كانت مرمية على الأرض، في حين حطم غطاء التابوت الحجري الذي كان يحفظها. ويتحدر القديس اليان من حمص في وسط سورية، واستشهد على أيدي الرومان لرفضه التخلي عن دينه المسيحي. وقال الأب جاك مراد، المسؤول في هذا الدير التابع للسريان الكاثوليك، في اتصال هاتفي معه من إيطاليا، بعد أن شاهد صوراً للتابوت أرسلتها إليه «فرانس برس» عبر تطبيق «واتس أب»: «إنه فعلاً تابوت القديس مار اليان وعظامه». وكان هذا الكاهن تمكن من الفرار من قبضة «داعش» في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 بعد أن بقي محتجزاً لديه 84 يوماً، حيث هدد بالقتل في حال لم يتخل عن دينه ويعتنق الإسلام. وقال الأب جاك مراد لـ «فرانس برس»: «أنا في غاية الحزن وأفضل التزام الصمت، لأن الصمت بمواجهة كل ما يحصل هو كلمة الحق». أما الكنيسة الجديدة في الدير التي دشنت في التاسع من أيلول (سبتمبر) عام 2006، فهي متفحمة بالكامل، والطاولة الحجرية التي كانت تستخدم مذبحاً محطمة. ويحوي الدير 16 غرفة دمر القصف قسماً منها، فيما لا تزال الطناجر والصحون مبعثرة في المطبخ وقاعة الطعام بعد أن غادر مسلحو التنظيم المكان على عجل. وفي غرفة مجاورة، لا تزال قائمة أكياس صغيرة تحوي بقايا عظام تعود إلى مقبرتين، واحدة مملوكية والثانية عثمانية، على مقربة من الدير، قام علماء آثار بجمعها في الدير، وفق ما قالت لـ «فرانس برس» مي معمرباشي، التي شاركت قبل عشر سنوات في أعمال تنقيب في هذا المكان. ويوضح الأب مراد أن كنيستين أخريين في وسط مدينة القريتين، واحدة للسريان الأرثوذكس وأخرى للروم الكاثوليك، تعرضتا للحرق منذ الأسبوع الأول لوصول تنظيم «داعش». وتمكن الجيش النظامي السوري من استعادة مدينة القريتين الأحد، وهي تعتبر واحدة من آخر المواقع التي كان التنظيم لا يزال يسيطر عليها في محافظة حمص وسط البلاد. وكان عدد سكان مدينة القريتين يبلغ نحو ثلاثين ألف شخص، بينهم 900 مسيحي قبل الحرب. وقال ضابط برتبة عميد لوكالة «فرانس برس» وهو يقف داخل كنيسة مار اليان المدمرة: «تقع بلدة القريتين وسط الصحراء في منطقة مفتوحة بين القلمون بريف دمشق وريف حمص الجنوبي، وتعتبر هامة لوقوعها في منطقة وسطى تؤدي شرقاً إلى تدمر ودير الزور، وغرباً إلى حمص ودمشق والطريق الدولي». وأضاف الضابط: «مع السيطرة على هذه المدينة، تم قطع كل هذه الطرق التي كان يستفيد منها داعش، الذي فرّ باتجاه بلدة البصيرة شرقاً وسط الصحراء والجيش يلاحقه». وأوضح أن التنظيم «قاتل لنحو عشرة أشهر في هذه المنطقة، وحاول البقاء فيها كثيراً» قبل أن يجبره الجيش على الانسحاب منها. وعلى غرار تدمر، فإن مدينة القريتين خالية تماماً من سكانها، ومعظم مبانيها إما مدمر وإما مصاب بأضرار جسيمة بسبب المعارك الضارية التي جرت فيها. ومن أصل سكان المدينة المسيحيين الـ900 بقي 277 فيها حتى بعد دخول عناصر «داعش» إليها. وتم إعدام شخص منهم، فيما قتل عشرة آخرون في القصف، وخمسة لا يزالون محتجزين لدى التنظيم. أما المتبقون، فتمكنوا من الفرار نهاية العام 2015، وفق الأب مراد. وتقول الروايات إنه مع وصول الإسلام إلى المدينة في القرن السادس، اعتنق أحد أعيانها المسيحيين الإسلام، في حين بقي آخر على دينه المسيحي، ما سمح للطرفين بتبادل حماية كل منهما للآخر بحسب التطورات.

مشاركة :