صدر حديثًا، عن الدار المصرية اللبنانية، كتاب "العودة إلى المستقبل – نحو تحوّل حضاري"، لمؤلفه الأستاذ نبيل بن عبدالله الحصيّن، منبسطًا في بياض (372) صفحة من القطع الكبير، ومشتملًا على (10) فصول، استبقها المؤلف بإضاءة حول موضوع كتابه، حيث أشار تحت عنوان "ما الموضوع؟"، إلى أنّ كتابه "ليس مُحاولةً للتَّنظير أو المزايدة، أو فرض أيِّ شيءٍ، إنَّما هو حديث مع النَّفس لسنوات؛ خرج إلى الورق بعفويَّةٍ ونيَّةٍ طيبةٍ، استشعارًا لمسؤوليَّة أخلاقيَّة ووطنيَّة، لعلَّه يكون نواةً أو فكرةً مُحفِّزةً لمشروع برنامج وطنيٍّ يهدف إلى رفعة الوطن والمُجتمع"..بهذه التوطئة استهل "الحصيّن" فصول كتابه بالفصل الأول الذي جاء تحت عنوان "منطلقات وغايات"، وفيه ناقش المنطلقات الموجِّهة لتعزيز القِيَم والأخلاق والسُّلوك الحضاريِّ والغايات المرجوَّة من ذلك، خصوصًا في الوقت والظَّرف الحالي، محددًا مسار نظره عبر حزمة من الأسئلة، ومن بينها: كيف وضعت رؤية 2030 البلاد على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة، وما المقومات الثلاثة الرئيسية لقوّة المملكة وفق الرؤية؟ مشيرًا إلى أنها تتمثل في احتضان المملكة للحرمين الشريفين، وما تتمتع به من قيادة رشيدة وعلمية ومحترفة عبر العهود الزاهرة، والاستفادة القصوى من الموقع الاستراتيجي. مختتمًا هذا الفصل بالإشارة إلى أن "الدَّعوة إلى تعزيز القِيَم والأخلاق والسُّلوك الحضاريِّ ليست حنينًا إلى الماضي (نوستالجيا)، بقدر كونها تطلُّعًا واستشرافًا لمُستقبل مشرق لأنفسنا وأجيالنا الجديدة، مُستقبل يصون ويحمي ويدعم كلَّ تقدُّم اقتصاديٍّ نعمل عليه، ونتوقَّعه في مقبل الأيَّام، لثقتنا في قيادتنا الرَّشيدة وأنفسنا".في كل الفصول المتبقية من الكتاب ظل نهج الاستباق بالأسئلة ديدن المؤلف، جاعلاً منها مستهديات لطرح فكرته، ففي الفصل الثاني يمضي "الحصيّن" لتتبع "رحلة الإنسان مع القيم والأخلاق"، وتطوّرها عبر الحقب والدهور، مرتئيًا أن "نشأة الضمير عند الإنسان البدائي أدت إلى ظهور فكرة العُرف المجتمعي وما يسمى ثقافة المجتمع"، مبينًا أن هناك (4) أركان تمثل أركان الخلق والتخلّق منظورة في: المعرفة الخلقية، والميل الخلقي، والمملارسة الخلقية، والولاء الخلقي.الفصل الثالث أفرده المؤلف لمناقشة موضوع "أخلاق العرب قبل الإسلام"، هادفًا من خلاله إلى تقديم نظرة موضوعية لتصحيح الصورة النمطية للشخصية العربية قبل الإسلام، مؤكدًا اشتمال هذه الشخصية على مكارم الأخلاق، بخلاف ما يتصوره البعض، سائقًا لذلك عدة شواهد وأمثلة، خالصًا منها إلى القول: "إن تشويه مُجتمع العرب قبل الإسلام والقول إنَّه مُجتمع الجهل والانحطاط والفسق والفجور وغياب الأخلاق، غير مفيد بالمرّة، بل ربما، على عكس ما يعتقد البعض، يقلّل من عظمة الإسلام؛ لأنّ معجزة الإسلام الكُبرى، وهي القُرآن الكريم، مركزة في تحدّي هؤلاء القوم في لغتهم وفصاحتهم وإمكاناتهم البلاغيّة، فإذا كان الخصم بهذا الجهل والضّعف والعشوائيّة فما معنى تحدّيه، وما دلالة الانتصار عليه! أليس تقزيم خصمك يقلّل من حجم انتصارك وجدارتك؟"رابع فصول الكتاب ناقش المفارقة بين عظمة الإسلام وتأخّر المسلمين، باحثًا في أسباب هذا التناقض، طارحًا الحلول للخروج من هذا المأزق الأخلاقي، مرتئيًا أن "المشكلة أنَّ قيمنا لا تُطبّق في الواقع ولا تتحوّل إلى منهاج وأسلوب حياة في السُّلوك والمُمارسات والتفاصيل اليومية، كما أنَّه يتمّ التّسويق لها بشكل مجزأ وبلا سياق ناظم". ويرصد المؤلف في الفصل الخامس (7) محطات مفصلية كبرى يرى أنها أثرت على المجتمع السعودي في حاضره، تتقدمها "الطفرة الاقتصادية"، ثم مترتبات الثورة الإيرانية، وحادثة جهيمان، والحرب العراقية - الإيرانية، والصراع في أفغانستان، واحتلال صدام للكويت، وثورة المعلومات والاتصالات، راصدًا أثرها وتأثيرها وما أفضت إليه، وظلالها التي ألقتها في الواقع، حسب رؤيته.وينتقل "الحصيّن" في الفصل السادس إلى إيراد "لمحات عن برامج ومبادرات رؤية 2030 في ضوء مرتكزها القيمي والأخلاقي"، مشيرًا إلى أن "الرُّؤية تهدف إلى بناء وطن مزدهر، يضاهي أعظم الدُّول تقدمًا، يتمتّع فيه المواطن السُّعودي والمقيم والزّائر بأعلى مستويات ومعايير الرّفاهية، في التّعليم والسّكن والصّحة والتّوظيف والثَّقافة والتّرفيه وجميع الخدمات الأخرى. وطنٌ يجد فيه كلّ مواطن ما يتمنّاه، وفق أعلى معايير قياس جودة الحياة".. ماضيًا في ضوء ذلك إلى تحديد عناصر القوة التي تستند إليها "الرؤية"، والبرامج التي قدمتها، وارتكاز هذه البرامج على البعد الإنساني، والجانب القيمي والأخلاقي، خالصًا من كل ذلك إلى القول: "إنَّ الرُّؤية عملت على مُعالجة تحدّيات هيكليّة في الاقتصاد خلال خمس سنوات بدءًا من عام 2016، ثمَّ بدأت المرحلة التَّالية (2021 – 2025)، وهي مرحلة دفع عجلة الإنجاز والحفاظ على الزّخم المطلوب لمواصلة الإصلاحات، من خلال مزيد من التّمكين لتوظيف القدرات واستثمار الإمكانات لتحقيق مزيد من النّجاح والتقدّم، وهذا النجاح يدعونا للإلحاح على مشروع تعزيز القِيَم والأخلاق والسُّلوك الحضاريّ لإعداد الفرد والمُجتمع لبناء وصيانة نهضة الوطن وقوّته وتقدمه".في الفصل السابع يطرح المؤلف "قيمنا وسلوكياتنا.. بين التقييم وإعادة النظر"، مرتئيًا أن مجتمعنا بحاجة ماسة لتعزيز القيم واستشعر المسؤولية، وتعميق الأخلاقيات السامية، لتحقيق ما يصبو إليه في طريق التنمية والنهضة والتقدم وفق مستهدفات الرؤية، ومعالجة العديد من السلوكيات التي يرى أنها تعوق حركة التقدم مثل غلاء المحور، وعدم الالتزام، وعدم تقدير قيمة الوقت وغيرها من المثالب التي جاء المؤلف على ذكرها، وحض على تغييرها بشكل جذري.واتصالًا بالفصل السابق يقدم المؤلف في الفصل الثامن رؤيته في "لائحة الذوق العا"، مرتئيًا أنها خطوة على الطريق الصحيح، بما اشتملت عليه من موجهات وقيم، سيكون لها تأثيرها المنظور متى ما طبقت على الوجه الصحيح.وفي الفصل التاسع يطرح "الحصيّن" فكرة المشروع المقترح والموسوم بـ"البرنامج الوطني لغرس وتعزيز القيم والأخلاق والسلوك الحضاري"، عارضًا مبادئ مشروعه، ومحاوره، ومراحله، ومنهجه. مختتمًا كتابه، بالفصل العاشر والذي ضمّنه "متطلبات ورهانات"، لضمان نجاح المشروع المقترح، بالتأكيد على أن "كل ما سبق في هذا الكتاب ليس محاولة لفرض أيّ شيء وليس أيضًا جلدًا للذات، بل وجهة نظر واجتهاد وأمنية تهدف لمزيد من الارتقاء والريادة لبلدنا، وتنطلق من حرص ووطنية حقيقية تستشعر المسؤوليَّة تجاه وطن ومُجتمع".يشار إلى أن المؤلف نبيل الحصيّن، من مواليد مكة المكرمة في العام 1959م، وحاصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، ومجاستير إدارة عامة من كاليفورنيا، وسبق أن عمل إداريًا بالملحقية التعليمية السعودية بكاليفورنيا، ورئيسًا لقسم الميزانية بـ"التحلية"، ومديرًا إقليميًا لشركة توكيلات الجزيرة، كما كان عضوًا في مجلس إدارة "مؤسسة عكاظ"، وما زال عضوًا مساهمًا بها.
مشاركة :