الدمام ـ الشرق أبو عبدالرحمن: في الظهران شاهدت أفلام السينما واستمعتُ إلى أغاني أم كلثوم فيما كان أمير المنطقة الشرقية الأمير سعود بن نايف يُكرّم العلامة أبا عبدالرحمن بن عقيل الظاهري في الدمام؛ كان رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي في الرياض يكرّم القاص جبير المليحان في العاصمة. تكريمان تزامنا وتقاطعا، وحملا دلالتين متقابلتين في حشد المثقفين أمام صوتين ثقافيين مهمّين، أحدهما مثّل الأصالة، والآخر مثّل الحداثة. الظاهري مقابل المليحان، والعاصمة مقابل الشرقية، والثقافة ـ مثل السماء ـ تتسع لكلّ العصافير. لكن المصادفة اللافتة هي أن كلا الرجلين رئيسٌ سابق للنادي الأدبي الآخر، الظاهري كان رئيساً لأدبي الرياض، والمليحان كان رئيساً سابقاً لأدبي الشرقية. مزيج مولع بالتباريح، باحث في مصارع العشاق، مفتون بعبقرية ابن حزم والمعرّي ونظرية المعرفة. لديه رؤيته الفقهية الجريئة فيما يخصّ الاستماع إلى الأغاني. وإلى جانب هذا الاشتغال الأدبي الرقيق؛ شغلت أبا عبدالرحمن ابن عقيل أحكام الديانة والحديث الشريف والفقه ومسائل الصلاة والفلك. ومن هذا المزيج تكوّنت ملامح الظاهريّ «عالماً وأديباً» على الطريقة التي تعوّدتها الثقافة العربية القديمة. إلا أنّها ملامح منفتحة عبّرت عن نفسها بنفسها دون تشنُّج أو حدة.. ومساء تكريمه؛ باغت ضيوف الحفل بتذكّره صباه في المنطقة الشرقية، وكيف كان ـ عام 1380 ـ يذهب إلى حي المنيرة في الظهران لمشاهدة أفلام السينما والاستماع إلى أغاني الراحلة أم كلثوم. وفي نقاشاته؛ أكد الظاهري تحلّيه بالشجاعة اللافتة.. في المداخلات سأله الكاتب عبدالعزيز كزّان: تحدثت عن بعض المراجعات التي أجريتها في حياتك فإلى أي يبعدك هذا عن شيخك ابن حزم..؟ فكان ردّه أن «من توفيق الله أن يتراجع الإنسان عن بعض أفكاره الخاطئة». ثم عرض لأدلة جواز الغناء في حدود معينة وبأدوات دون أخرى، مستشهداً باستخدام المؤذنين القدامى المقامات العراقية في الأذان بالسليقة». وفي السياق ذاته داخل مفتي المنطقة الشرقية الشيخ خلف المطلق أن بعض الأغاني الإسلامية لا اعتراض عليها إلا أن البعض يحاول تمرير المجون من خلال غطاء شرعي، فعلق الشيخ الظاهري «لو كنت من أهل الطرب لما استمعت إلى ما يسمى الأغاني الإسلامية لأنها ليست جيدة ولا ممتعة»، وأكد اتفاقه مع المفتي على أن ترك الغناء أفضل لأن النبي (ص) لم يكن مغنياً. موقف في الأًصل؛ كان الشيخ الظاهري يحاضر حول بني إسرائيل وأفعالهم وقتلهم الأنبياء، منطلقاً من القرآن الكريم. تطرق إلى المؤامرة الإسرائيلية والأممية ضد الإسلام والمسلمين، وتناول ما يحدث في العالم الإسلامي وخاصة في سوريا حيث لا يتحرك أحد لنصرتهم، مؤكداً أن الصهيونية العالمية هي المنتفعة بما يحدث. في النهاية؛ نجح الشيخ الظاهري ـ كعادته ـ في استيعابه الاختلافات بهدوء وروية، وهو ما دعا الإعلامي عبدالعزيز القاسم إلى أن يثني عليه وعلى كتاباته التي ترعرع على قراءاتها.. وقال «كنت في المرحلة الثانوية حين كنت أستمتع بقراءة إخوانياتك مع غازي القصيبي». عالم وأديب ومسؤول العلامة الظاهري شخصية أدبية علمية لم يقتصر تكوينها على المصادر التقليدية، فقد تلقّى تعليمه في مسقط رأسه شقراء، حتى حصل على الثانوية العامة من معهد شقراء العلمي، ثم التحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ليتخرج في كلية الشريعة، ثم واصل تعليمه في المعهد العالي للقضاء حتى نال الماجستير في علم التفسير. وعلى مدى سنوات تحصيله العلمي تتلمذ أبو عبدالرحمن على عدد من علماء المملكة البارزين يأتي في مقدمتهم الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالله بن حميد، والشيخ أبو تراب الظاهري. ومثلما كدح الشيخ الظاهري في طلب العلم؛ كدح أيضاً في العمل الوظيفي؛ وعمل في إمارة المنطقة الشرقية، ثم في ديوان الموظفين العام الذي تحول اسمه إلى «وزارة الخدمة المدنية»، ثم مديراً للخدمات في الرئاسة العامة لتعليم البنات، ثم مستشاراً شرعياً في وزارة الشؤون البلدية والقروية، ثم مديراً للإدارة القانونية بالوزارة ذاتها. كما عمل رئيساً للنادي الأدبي في الرياض، ورأس تحرير مجلة التوباد، ورأس تحرير مجلة الدرعية التي يملك امتيازها، وهو عضو مراسل في مجمع اللغة العربية بالقاهرة. إنها سيرة عالم وأديب ومسؤول إذن، وضعها نادي المنطقة الشرقية الأدبي أمام انتباهه حين اختاره ليكون الشخصية المكرَّمة في حفل افتتاح الموسم الثقافي لهذا العام على يد أمير المنطقة الشرقية بحضورٍ لفيف من المثقفين والمسؤولين. المليحان وفي موقع آخر؛ كان القاص جبير المليحان ضيفاً مكرماً في ملتقى النقد الأدبي الذي نظمه النادي الأدبي في العاصمة، بصفته مؤسساً لموقع القصة العربية تقديراً لجهوده في تأسيس الموقع وخدمة القصة القصيرة إبداعاً ونقداً. وجاء التكريم في سياق الدورة السادسة من الملتقى الذي حمل عنوان «القصة القصيرة في المملكة» مقاربات في المنجز الأدبي»، بمشاركة أكثر من 20 باحثاً وباحثة. وفي الملتقى، نوّه رئيس النادي الدكتور عبدالله الحيدري بـ «النتائج الجيدة والمنجزات التي حققها الملتقى طوال تاريخه، وهو الأمر الذي جعله حاضراً في المشهد الثقافي في المملكة، لاسيما وهو يجمع المثقفين والأدباء مرتين كل عام، للتباحث والنقاش وتبادل الخبرات، للمضي قدماً بالعمل الأدبي وبثقافة الوطن، والوصول به لأفضل ما يمكن، بأسلوبٍ علمي رصين، من خلال الدراسات العلمية والبحوث الأدبية المستفيضة التي تقدم عبر جلساته العلمية». وفيما يخصّ تكريم المليحان قال الحيدري إنه ضمن مبادرة للملتقى خاصة بتكريم النخب الثقافية والأدبية، التي ظلت حاضرة منذ أول نسخة. ومن جهته ثمّن القاص المليحان المبادرة التي دأب عليها النادي، واعتادها الوسط الأدبي في المملكة، مؤكداً أن جمالية اللفتة التكريمية تزيد في حال ما زال المكرّم يمارس عمله الذي استحق عليه التكريم، لاسيما وأنها تشكل دفعة معنوية كبيرة له، وحافزاً لمزيدٍ من العمل والإبداع، لافتاً إلى أن هذه المبادرة يجب أن تباركها مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالشؤون الثقافية والاجتماعية، سواءً الحكومية منها أو الأهلية، ودعمها بجميع الوسائل الضامنة لاستمرارها وتحقيقها لأهدافها كاملة.
مشاركة :