انضمت السويد رسمياً إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الأسبوع الماضي، باعتبارها العضو رقم 32 في الحلف، وأحدث حليف للولايات المتحدة. وسارع المحللون والمعلقون إلى تسليط الضوء على صناعة الأسلحة القوية في السويد، والفوائد الجغرافية للسويد الحليفة. ومن خلال سيطرتها على جزيرة جوتلاند التي يبلغ طولها 109 أميال في وسط بحر البلطيق، ستساعد السويد في تحويل بحر البلطيق إلى «بحيرة حلف شمال الأطلسي»، لحماية الثلاثي الضعيف: إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. ولكن من المثير للفضول أن أعظم مساهمة محتملة للسويد في التحالف غير معروفة، ويقدم نظام التجنيد الانتقائي الذي أعادت السويد إقراره في عام 2017 مثالاً حاسماً للعديد من جيوش الحلف الأوروبية التي تواجه تهديداً وجودياً، إذ تكافح من أجل العثور على جنود لقواتها المتقلصة. لقد دفع الهجوم الروسي على أوكرانيا السويد وفنلندا المجاورتين إلى السعي للحصول على عضوية «الناتو». ولسوء الحظ، تخلى حلف الأطلسي عن العمل الجماعي في التسعينات، عندما كان من المفترض أن التهديد من موسكو قد مات ودُفن. وحصلت الدول الأوروبية على أكثر من مكاسب السلام، فقد قامت فعلياً بنزع سلاحها، وخفضت قواتها بشكل كبير، وأنهت الخدمة العسكرية الإجبارية التي كانت بمثابة حجر الأساس للعديد من جيوش «الناتو». وتم تجاهل العلامات التحذيرية، بما في ذلك قدرة الحلفاء الأوروبيين المحدودة للغاية على الإسهام في الحملة في كوسوفو عام 1999. وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الـ21، كان حجم الجيش الألماني يبلغ نصف حجمه أثناء الحرب الباردة، في حين كان الجيش البريطاني قادراً على توفير لواء واحد فقط في أفغانستان. وكانت ألمانيا وبريطانيا، ولاتزالان، من الدول ذات الوزن الثقيل في حلف شمال الأطلسي، وكانت حالة جيوش «الناتو» الأصغر حجماً أكثر خطورة. قدرة قتالية وتفاقم الوضع في العقدين التاليين، وانخفض عدد القوات المسلحة الألمانية الآن إلى 180 ألف فرد، في حين أن الجيش البريطاني هو الأصغر منذ الحروب النابليونية. والقوات الفرنسية، على الرغم من تهديدات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، غير قادرة على فعل أي شيء على نطاق واسع، ولأي فترة من الزمن، بحسب محلل بارز. وتشهد نهاية حملتها في مالي على محدودية القوة البرية الفرنسية. وقد وجدت دراسة أجرتها مؤسسة «راند» في عام 2017 أن كلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا ستستغرق أسابيع عدة لإنشاء لواء مدرع واحد للقتال في منطقة البلطيق «مع قدرة فائضة قليلة لأي حالات طوارئ أخرى». وهناك عدد قليل من قوات حلف شمال الأطلسي المتبقية، ولكنها ليست دول خط المواجهة. وتحتفظ تركيا واليونان بقوات مجندة كبيرة، لكن قدرة أو استعداد أي منهما لمحاربة روسيا أمر مشكوك فيه. وتفتخر الولايات المتحدة بنحو مليون فرد عسكري نشط، لكن العودة المحتملة للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وضعت استعداد واشنطن لخوض الحرب من أجل حلفائها في موضع شك، وتواجه الولايات المتحدة أزمة تجنيد خاصة بها وبجيشها المتقلص. ورغم أن حلف شمال الأطلسي يعيد تسليح نفسه الآن في ما يتعلق بالأسلحة، إلا أن القوى البشرية تظل بمثابة العمود الأساسي في الخيمة. إن الشيخوخة السكانية، والرعاية الاجتماعية الموسعة، والجاذبية المحدودة للخدمة العسكرية المهنية، تجعل الدول الأوروبية تكافح من أجل تجهيز حتى الجيوش الصغيرة. وعلى الرغم من التهديد الروسي الواضح، فإن مشكلة التجنيد الأوروبية آخذة في التفاقم. انخفاض مذهل أنهى الجيش الألماني عام 2023 بعدد أقل مقارنة بالعام السابق، على الرغم من الالتزامات الصاخبة بإعادة التسلح، وقد أخطأ الجيش البريطاني أهداف التجنيد لمدة 14 عاماً على التوالي. وشهدت السنة المالية 2022 انخفاضاً مذهلاً بنسبة 30% في عدد المجندين الجدد. وأشارت صحيفة «لوموند» إلى «تبخر» الأفراد العسكريين الفرنسيين في عام 2023، مع تسريح 6% من القوات العاملة. هناك احتمال ضئيل لحدوث أي تحسن كبير في التجنيد العسكري الأوروبي. إن جميع الدول الأوروبية تقريباً تتقدم في السن، ويواجه العديد منها انكماشاً سريعاً في عدد السكان، وإن تدهور الصحة البدنية والعقلية بين الشباب، الذي تزايد بشكل كبير بسبب جائحة فيروس «كورونا»، يؤدي إلى تقليص مجموعة التجنيد المؤهلة بشكل أكبر. إن العداء المتزايد للهجرة الجماعية يجعل الحديث عن تجنيد أعداد كبيرة من الأجانب أمراً غير مقبول، في حين أن الوضع المالي المتفاقم، الذي تسارع بسبب فيروس «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، يعني أن الزيادات الكبيرة في الرواتب العسكرية الضعيفة غير ممكنة أيضاً. ويواجه أعضاء «الناتو» الأوروبيون مشكلة هيكلية، يبدو أنها تؤثر على جميع الجيوش في القرن الـ21، بما في ذلك جيوش الولايات المتحدة، وهي فجوة آخذة في الاتساع بين الجيش والمجتمع، خصوصاً بالنسبة للشباب. وقد أصبحت الجيوش المحترفة شأناً عائلياً، مع انتشار الخدمة المتعددة الأجيال على نحو متزايد، تماماً كما كانت الحال في الجيوش الصغيرة في عصر ما قبل الصناعة. وأولئك الذين ليس لديهم علاقات سابقة بالجيش ينظرون إليه على أنه منطقة أجنبية، ومن غير المرجح أن يفكروا بجدية في الخدمة. ثم تقوم الجيوش بالصيد حيثما توجد الأسماك، وتنفق مواردها المحدودة للتجنيد، حيث سيكون لها أعلى عائد على المجموعات الديموغرافية والمناطق الميالة بالفعل للخدمة العسكرية، وهكذا يصبح الجزء الأكبر من السكان أكثر انفصالاً عن جيشهم. ولا عجب أنه حتى مع أهداف التجنيد السنوية الضئيلة تاريخياً، فإن الجيوش الأوروبية المحترفة تكافح من أجل العثور على العدد الكافي من الشباب المستعدين للخدمة. مسار مختلف وقد اختارت السويد مساراً آخر، وهو المسار الذي يقدم دروساً قيمة لأعضاء «الناتو» الآخرين. وفي عام 2018، استعاد السويديون نظام التجنيد الإجباري، الذي تم تعليقه منذ عام 2010. ومثل ألمانيا وفرنسا، كان للسويد جيش كبير جداً خلال الحرب الباردة، مع القدرة على تعبئة ما يصل إلى 850 ألف رجل وامرأة. وكانت السويد محايدة منذ عام 1812، ورأت أن وجود جيش قوي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على استقلالها. وكانت السويد محظوظة، لأنها كانت تستعيد نظام التجنيد الإجباري الذي كان خاملاً لمدة تقل عن عقد من الزمن، ولكن نظام التجنيد الانتقائي المستعاد تضمن تغييرات كبيرة، إذ تم دمج النساء بشكل كامل (يشكلن الآن نحو 15% من المجندين)، وأنشأت السويد هيئة ضباط صف محترفين للخدمة الطويلة، وهو الأمر الذي كان غائباً في الجيش أثناء الحرب الباردة. وشهد الحرس الداخلي السويدي، وهو احتياطي تطوعي للدفاع الإقليمي، زيادة في عدد التجنيد أربع مرات في أوائل عام 2024، مقارنة بالوقت نفسه من العام السابق. وبعد أن كانت قوة هرِمة وغير ذات أهمية اجتماعية، اكتسبت قوات الحرس الوطني فجأة شعبية بين الشباب السويدي، الذين رأوا في استعادة التجنيد الإجباري وجدية السويد في التعامل مع الدفاع الوطني دليلاً على أن الخدمة العسكرية تشكل عنصراً مشرفاً وضرورياً للمواطنة. • الهجوم الروسي على أوكرانيا دفع السويد وفنلندا المجاورتين إلى السعي للحصول على عضوية «الناتو». • السويد كانت محايدة منذ عام 1812، ورأت أن وجود جيش قوي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على استقلالها. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :