تجاهل المستهلك الأمريكي شهورا وسنوات من توقعات الركود من كبار الاقتصاديين والرؤساء التنفيذيين في وول ستريت، وواصل الإنفاق في مواجهة التضخم الأكثر شدة منذ 40 عاما وزيادات أسعار الفائدة الحادة التي تهدف إلى ترويضه، ما مكن الاقتصاد من البقاء صامدا. لكن هذا الأسبوع، أدت ضربة مزدوجة من البيانات الاقتصادية السيئة إلى دفع بعض الخبراء إلى انتظار ضربة أخرى. أثار تقرير مبيعات التجزئة الضعيف الثاني على التوالي، الذي تضمن مراجعة هبوطية لبيانات المبيعات لشهر يناير، مخاوف من أن المستهلكين يظهرون أخيرا علامات على الإنهاك بعد أن تمكنوا على مدى عامين تقريبا، من تجاوز زيادات الأسعار وارتفاع تكاليف الاقتراض. في الوقت نفسه، جاء تضخم أسعار المنتجين، الذي يميل إلى قيادة تضخم أسعار المستهلك، أعلى من توقعات وول ستريت للشهر الثاني على التوالي يوم الخميس. وهذه البيانات يمكن أن تؤخر أحلام المستثمرين في تخفيضات سريعة لأسعار الفائدة لتعزيز الاقتصاد، لا سيما مع توضيح مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي أنهم لا يخططون لخفض أسعار الفائدة حتى يصبح التضخم تحت السيطرة. وبحسب مجلة فورتشن، لا تمثل أحدث تقارير مبيعات التجزئة وتضخم أسعار المنتجين أخبارا سيئة للاقتصاد في حد ذاتها -مبيعات التجزئة بعيدة كل البعد عن الانهيار التام، وتضخم أسعار المنتجين لا يرتفع- لكن الاتجاهات الجديدة التي شوهدت فيهما مثيرة للقلق. إذا استمرت الشركات في رؤية ارتفاعات في الأسعار، فمن المرجح أن تمرر ذلك إلى المستهلكين الذين أرهقهم التضخم بالفعل. يمكن أن يضع هذا حدا لإنفاق المستهلكين القوي، الذي ساعد على منع الركود في الولايات المتحدة حتى الآن. الضربة السريعة التي تلقاها الاقتصاد، أولا يوم الخميس، كانت قراءة مرتفعة لتضخم أسعار المنتجين. أفاد مكتب إحصاءات العمل بأن مؤشر أسعار المنتجين، الذي يقيس التغير في الأسعار التي يدفعها البائعون المحليون، ارتفع 0.6% الشهر الماضي، مقارنة بإجماع الاقتصاديين على 0.3%. وعلى أساس سنوي، ارتفعت أسعار المنتجين 1.6% في فبراير، وهذا أقل كثيرا من 4.7% في فبراير 2023، عندما كان التضخم لا يزال عند 6%، لكن الاتجاه هو الأمر المثير للقلق، فبعد الثبات عند 1.1% أو أقل منذ أكتوبر، بما في ذلك 1% فقط في يناير، تعد بيانات فبراير خطوة في الاتجاه الخاطئ. كان تضخم أسعار المنتجين مدفوعا إلى حد كبير بارتفاع أسعار الطاقة 4.4% في فبراير، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الإجمالية. وكان انخفاض تضخم السلع أحد العوامل الرئيسة لانخفاض التضخم الإجمالي خلال العام الماضي، لكن بالنسبة للخبيرة الاقتصادية فيرونيكا كلارك، من سيتي بنك، مؤشر أسعار المنتجين يعد دليلا على أن تراجع التضخم في أسعار السلع يقترب إلى حد كبير من نهايته. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تعليق تخفيضات أسعار الفائدة التي كان كثير من المستثمرين يتوقعون رؤيتها هذا الشهر. بعد أن تأثر الاقتصاد بضربة مؤشر أسعار المنتجين، تعرض لضربة شديدة من تقرير مبيعات التجزئة الأضعف من المتوقع. وأفاد مكتب الإحصاء بأن مبيعات التجزئة ارتفعت 0.6% فقط على أساس شهري و1.5%، مقارنة بفبراير العام الماضي، وبإجماع الاقتصاديين على 0.8%. وحتى مع ارتفاع أسعار الغاز وحوافز تجار السيارات التي تزيد الإنفاق، تظهر البيانات أن المستهلكين بدأوا في كبح ميزانياتهم. علاوة على بيانات فبراير الأبطأ من المتوقع، تم تعديل أرقام مبيعات الشهر الماضي على أساس سنوي من سالب 0.8% إلى سالب 1.1%. ويمثل هذا الشهر الرابع على التوالي الذي تم فيه تعديل هبوطي لبيانات تضخم المنتجين. قال جيفري روتش، كبير الاقتصاديين في شركة إل بي إل فاينانشيال، لمجلة فورتشن عبر البريد الإلكتروني، إن المراجعات الهبوطية المستمرة تخبرنا أن الاقتصاد يتباطأ، حتى لو كان المستهلك لا يزال لديه بعض القدرة على الإنفاق مع بقاء معدل البطالة منخفضا.
مشاركة :