(1) قال محدثي وهو أستاذ لمادة إدارة الأعمال في إحدى الجامعات: بعد انتهائي من الجزء النظري من محاضرتي والتي كانت عن الإدارة اليابانية قمت بعرض ملخص لبعض النقاط التي وردت في المحاضرة وكان على شكل مقتطفات واقتباسات من مقالات ومقابلات كنت قد اطلعت عليها مسبقًا ووددت وضعها أمام طلبتي لتكون أساسًا للنقاش والتحليل خاصة وأنها كانت قريبة إلى الجانب التطبيقي. العرض كان يشمل ثلاث نقاط هي: مقولة لرئيس الوزراء الياباني (شنزو آبي) وهو يرد على سؤال وجهه إليه أحد الصحفيين عن سر نهضة بلاده فيقول: نحن لا نمتلك عقولاً خارقة لكن لدينا معادلة بسيطة نتمسك بها وهي: علم + أخلاق + عمل = نهضة انتهى. أما النقطة الثانية في العرض فقد كانت عن بعض القيم التي يؤمن بها الإنسان الياباني والمتمثلة في المبدأ التالي: الياباني يعمل ساعات مطولة ليسدد الدين المترتب عليه حسب التربية اليابانية: لوالده، للوطن والإمبراطور، لرب العمل، للمعلم. والنقطة الأخيرة التي احتواه العرض هي اقتباس من كتاب (نقد الذات ونقد الآخر) للدكتور عبدالله بن أحمد بن حامد ويقول الاقتباس: اليابانيون لا يغلقون كل الأبواب ولا كل النوافذ ويميلون للحل الوسط، لأن الفرد لا قوة له ولا قيمة له إلا في إطار الجماعة.. العائلة.. الشركة.. الدولة ويندر أن تجد يابانيًا يقول: أنا.. أنا الذي فعلت.. أنا الذي اخترعت... وبدأ الطلبة في مناقشة النقاط الثلاث السابقة. في الحقيقة كانت النقاشات والمداخلات بصورة عامة ممتعة ومفيدة وعلى درجة تكاد تكون عالية من الرقي والحرفية، فقد انقسم الطلبة وبصورة تلقائية إلى ثلاث فئات وهذا ما جعل النقاش أكثر تشويقًا وفائدة وفي ذات الوقت محققًا للأهداف التي وضعتها لمحاضرتي تلك. (2) الفئة الأولى كانت تتحدث عن القيم اليابانية بحماس شديد بل وذهب بهم الحماس إلى المطالبة بأن يكون هناك أسلوب أو منهاج لنقلها وترسيخها لدينا وخاصة لأطفالنا على أن يكون ذلك من خلال أساليب عملية يكون عامل القدوة المتمثل في الوالدين والأقارب والمعلم والمسؤول في العمل هو الأسلوب المتبع في ترسيخ تلك القيم وليس عن طريق المحاضرات والندوات والمؤتمرات التي يمكن أن تكون من العوامل الثانوية. أما الفئة الثانية فقد كانت تؤكد بأن ما ورد في العرض لم يكن جديدًا على ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا وتعاليمنا الروحية وقيمنا ولكن ربما المشكل لدينا كما بينت هذه الفئة هو هاجس الولع والتفاخر لدى البعض منا بترديد ما لدينا دون العمل على تطبيقه بأسلوب علمي وذلك بجعل تلك القيم والتعاليم والعادات جزءًا من ثقافتنا العائلية والمجتمعية ومن ثم ننقلها معنا فيما بعد عند دخولنا سوق العمل لتكون جزءًا فاعلاً من ثقافتنا المؤسسية. الفئة الثالثة التزمت الصمت خلال فترة النقاش وكأنها كانت تنتظر النتيجة ولكنها وقبل انتهاء النقاش أبدت هذه الفئة رأيها قائلة: دعونا من هذه النقاشات ولننظر إلى مستقبلنا كطلاب فالذي يهمنا هو النجاح في الامتحانات. نريد أن نحفظ ومن ثم نضع ما نحفظه على ورق الإجابة في تلك الامتحانات، لذا نريد أن نعرف من الأستاذ الفاضل هل النقاط الثلاث الواردة في هذا العرض ستأتي في امتحانات نهاية الفصل؟ هل في حالة حفظها كما وردت ستؤهلنا في الحصول على العلامة الكاملة؟ هل يمكنكم أستاذنا الكريم تلخيص تلك النقاط وتوزيعها علينا؟ هذا ما يهمنا نحن الطلبة.. ما رأي الأخوة في هذا؟! (3) يقول أحد الخبراء الممارسين للإدارة بأن الإعداد الفني للكفاءات بالتركيز على إكساب الفرد المهارات والمعرفة ليس كافيًا حيث أن العمل يتطلب عناصر أخرى تكاد توازي الكفاءة في أهميتها بل أنها ربما تتفوق عليها في الأهمية. ونقصد هنا الإعداد الأخلاقي والمتمثل في القيم والسلوكيات والتوجه الذهني (Attitude) التي يجب أن يؤمن بها العامل والموظف عند توليه أي عمل. يتابع الخبير والذي يعمل في منصب الرئيس التنفيذي لإحدى المؤسسات المالية قائلاً: عندما أتحدث عن القيم وسلوكيات العمل فإني أقصد الانضباط والإحساس بالمسؤولية والإخلاص والأمانة في أداء الواجب الوظيفي. هذه القيم لا تأتي من خلال المحاضرات والدروس والوعظ والنصائح إنها تأتي وتترسخ لدى الفرد بصورة تلقائية عن طريق الاقتداء بالآخرين وأقرب قدوة لنا - كما يقول الخبير - هم أولياء الأمور والأقارب والمعلمون والمسؤولون في العمل فهم من يؤثر تأثيرًا مباشرًا في تشكيل سلوكياتنا وقيمنا إلى درجة تكاد تكون عظيمة.. ما رأيك سيدي القارئ؟
مشاركة :