في هذه الدورة الـ55 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المنعقدة حاليا هنا في جنيف، لا شك أن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني المستمر يمثل أحد أكبر نقاط التركيز بين المشاركين، حيث يعتقد الكثيرون أن الكارثة في غزة هي مأساة خلقها "المحتلون" الإسرائيليون وشركاؤهم الأمريكيون. وقال الدكتور سامي العريان، مدير مركز الإسلام والشؤون الدولية في جامعة اسطنبول صباح الدين زعيم، في مقال رأي نشر مؤخرا على موقع وكالة ((الأناضول)) التركية "لم تبرر الولايات المتحدة أعمال إسرائيل الوحشية وتزودها بجميع الأسلحة المستخدمة لإحداث الفوضى في غزة فحسب، بل قامت أيضا بحمايتها دبلوماسيا"، مضيفا "على الرغم من أن هذا المعيار المزدوج الذي تطبقه الولايات المتحدة في حالة إسرائيل متطرف، إلا أنه ليس فريدا". وتابع قائلا "بسبب مواقفهم العنصرية العميقة تجاه الشعوب غير الغربية، رفضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الإقرار بهذا النظام الإسرائيلي القمعي. إنهم لا يرون سوى طرف واحد كإنسان، طرف واحد يستحق التعاطف والدعم بكل الوسائل، دون أي ضمير أو شعور بالذنب". وشكك كثيرون في أخلاقيات إسرائيل التي فرضت حصارا طويل الأمد على 2.3 مليون من سكان غزة في قطاع تبلغ مساحته نحو 360 كيلومترا مربعا دون إبداء أي اهتمام بالتوصل إلى حل. كيف يمكن تحقيق السلام والاستقرار الدائمين بينما يتم تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وبقائه وعودته منذ فترة طويلة؟ وفي الوقت نفسه، غضت الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين الطرف تقريبا عن المعاناة الدائمة للفلسطينيين، متظاهرين بأنهم نموذج أخلاقي ويعلنون الدعم غير المشروط للمحتل. ومن خلال شيطنة الفلسطينيين على أنهم "حيوانات بشرية"، كما ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي، فقد فضح الغرب بلا خجل نفاقه ومعاييره المزدوجة. وقال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، الموجود في جنيف لحضور جلسة مجلس حقوق الإنسان، للصحفيين مؤخرا، إن إسقاط الولايات المتحدة لحزم المساعدات في غزة من الجو أمر "سخيف". وتساءل "لماذا تقدم الولايات المتحدة القنابل والذخيرة والدعم المالي لحكومة أعلنت عن نيتها تجويع المدنيين، ثم تستخدم هذه الأساليب المكلفة وغير الفعالة؟" وقالت ياسمين الحسن، مسؤولة الدعم في اتحاد لجان العمل الزراعي في رام الله، في نفس الجلسة "إنهم يحدثون إبادة جماعية، يذبحون أكثر من 30 ألف شخص، ويسقطون جوا بعض المواد الغذائية التي تهبط في المحيط على أي حال، ثم يتوقعون كلمة شكرا". المأساة مستمرة في غزة منذ أكثر من خمسة أشهر حتى الآن. ويبدو أن الولايات المتحدة، التي تسيء استخدام حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن لقتل القرارات التي تطالب بوقف إطلاق النار مرارا وتكرارا، غير راغبة في توسيع نطاق مُثل مثل حقوق الإنسان والنظام الدولي القائم على القواعد والحرية والمساواة لتشمل الناس خارج زمرتها. ويعتقد بعض المراقبين أن واشنطن قد ألحقت بنفسها ضررا دبلوماسيا بسبب غزة. وقال دانيال وارنر، المعلق والخبير في القضايا الدولية، في مقال نشر مؤخرا في مجلة ((كاونتر بانش)) الإلكترونية، إنه نظرا لأن الولايات المتحدة وإسرائيل تميلان إلى اعتبار نفسيهما دولتين "استثنائيتين"، "فإنهما تظلان منفصلتين عن الدول الأخرى من خلال الاستمرار في رفض العيش في هذا العالم كدول طبيعية". وقال وارنر إن دعم الغرب غير المشروط لإسرائيل ينظر إليه على أنه "من بقايا الاستعمار"، مضيفا "مفردات الأخيار مقابل الأشرار أو الديمقراطيات مقابل الأنظمة الاستبدادية لا تلعب في أزمة الشرق الأوسط الحالية".
مشاركة :