نادى كبار العلماء والمفتين من مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية إلى تجاوز مآسي المعترك الطائفي، بنزعته المنتحلة على هدي الإسلام، وذلك في «وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية» الصادرة في ختام أعمال المؤتمر الدولي «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية» الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على مدى يومين، بمشاركة واسعة من ممثلي المذاهب والطوائف الإسلامية من مختلف أنحاء العالم. وتأتي الوثيقة امتدادا لمضامين «وثيقة مكة المكرمة» التي أمضاها مفتو الأمة وعلماؤها في الـ24 من رمضان 1440هـ، كما تأتي لتعكس تعبير العلماء المشاركين في مؤتمر «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية» عن اعتزازهم بدينهم شرعة ومنهاجا، وإيمانهم بالله تعالى ربا ومعبودا، وبمحمدٍ نبيا خاتما ورسولا، ممتثلين قوله جل وعلا: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون. وتؤكد الوثيقة إدراك علماء الأمة وممثلي مذاهبها وطوائفها لواجب الوقت في التذكير بمفهوم الأمة الواحدة، وأنهم اليوم أحوج ما يكونون إلى رص صفوفهم، وانسجام أمرهم على مشتركاتهم الجامعة التي تلم شعثهم، وتوحد شتاتهم، وتؤلف قلوبهم، وتجمع اختلاف مذاهبهم وطوائفهم حول أصول الإسلام وكلياته، وثوابت أحكامه وتشريعاته، التي بها ينتظم كيانهم، وتصان حقوقهم، وتحفظ كرامتهم؛ لتتجاوز الأمة براسخ وعيها، وعلو همتها ما يفرق جمعها، ويذهب ريحها؛ سمعا وطاعة لأمر ربها جل وعلا: وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. وشددوا على أنه في ظل التداعيات المؤسفة التي تشكو منها أمتهم الواحدة، فإن الملاذ في تحقيق أخوتهم الإسلامية، هو الوعي التام بأدب الاختلاف وحسن الوصال، مع الحذر والتصدي لمخاطر التصنيف والإقصاء، وسلبيات التجريح والإسقاط، ورفض مجازفات التضليل والتكفير، وما أفضت إليه من شتات وفرقة وعداوات وفساد كبير. ونادوا إلى تجاوز مآسي المعترك الطائفي بنزعته المنتحلة على هدي الإسلام، وما صارت إليه من سبل ضلال تلقفها كل مغلوب على رشده لم يتبين سنة الله في خلقه «اختلافا وتنوعا وتعددا»، وما يلزم لذلك من تدابير الحكمة وأدب الإسلام، فضلا عن استصحاب سعة الشريعة ورحابتها، وأخوة الدين ومودته، واستطلاع المآلات والمخاطر، وفي طليعتها ما يمس معقد العز المشترك وهو الإسلام، والهدف المشترك المتمثل في رعاية سمعته وحراسة جنابه، مع استحضار العلم بما توالد عن ذلكم التجاوز من مواجع وفواجع، حجبت أمة الإسلام عن دورها الريادي، وشهودها الحضاري. أبرز ما نصت عليه الوثيقة: رسالة الإسلام ربانية في مصدرها، توحيدية في معتقدها، سامية في مقاصدها، إنسانية في قيمها تحمل الخير للجميع. اجتهاد أهل العلم والإيمان محل احترام وإجلال وإفادة، وللتعامل مع تنوعه واختلافه آداب وقواعد. تحقيق مقاصد التشريع في حفظ الضروريات الخمس، الدين، وحرمة النفس، ورعاية العقل، وحماية العرض، وحفظ المال، وإذ تعددت الدول الوطنية في الزمن المعاصر فثمة ضرورية سادسة وهي: حفظ الوطن. تكوين شخصية الاعتدال مسؤولية العلماء الربانيين والفقهاء الراسخين. تعدد المذاهب والرؤى بين المسلمين يحسب في جملة السنن الكونية القدرية. الوحدة الدينية والثقافية للمسلمين واجب ديني متأصل في وجدان الشعوب المسلمة.
مشاركة :