بعد خمس سنوات من الزواج الذي أثمر طفلين في عمر الزهور عاد الزوجان عماد ونهلة من البلد العربي الذي يعملان فيه إلى أرض الوطن ليكتشفا أنهما أخوان في الرضاعة، فقد أخبرتهما جدة الزوجة العجوز التي تعدى عمرها ثمانين عاماً بالحقيقة مؤكدة أنه بعد مولد الزوجة أصيبت والدتها بحمى النفاس ولم تتمكن من إرضاع وليدتها فتطوعت جارتها والدة الزوج لإرضاعها لمدة أسبوع مع ابنها وهو الشقيق الأصغر للزوج حتى تماثلت والدتها للشفاء. أسرعت الزوجة بهجر منزل الزوجية على اعتبار أن زواجهما أصبح محرماً لكن الزوج رفض تطليقها استناداً إلى عدم صحة أقوال جدة زوجته على اعتبار أنها عجوز مخرفة، فلجأت الزوجة إلى محكمة الأسرة وطلبت الحكم بفسخ عقد الزواج. وعندما أعلنت إحدى الدول العربية عن حاجتها لمدرسين ومدرسات تقدمت نهلة على الفور للوظيفة وكان الحظ حليفها وتمت الموافقة عليها فقد كان تخصصها نادراً ومطلوباً، وكان الراتب كبيراً لم تكن تحلم بمثله، وعلى الفور حصلت على إجازة من عملها وسافرت بصحبة شقيقها الأصغرمحمود الذي كان قد تخرج حديثاً في كلية التجارة ولم يجد عملاً بعد، وكانت سعادتها كبيرة بفرصة السفر فقد تخلصت من حياتها التي سئمتها، فقد توفيت والدتها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً وبعد وفاتها بفترة قصيرة تزوج والدها من جديد من إحدى قريباته، وكانت بئس زوجة الأب فقد نجحت في فرض سيطرتها على المنزل وأصبحت هي الآمرة الناهية والكلمة الأولى والأخيرة كلمتها وأذاقتها هي وشقيقها من العذاب ألواناً، فعاشا معها حياة كلها شقاء ولم يعرفا طعماً للسعادة، لذلك كان السفر بمثابة طوق النجاة الذي انتشلهما من حياتهما الكئيبة، ولحسن حظها تعرفت إلى عماد زميلها في المدرسة نفسها التي تعمل فيها واكتشفت أنه كان جارها في شقة أسرتها القديمة التي تركوها بعد وفاة والدتها، حيث إن الشقة كانت بناية جدها، وبالطبع رفض أن يأتي زوج ابنته المتوفاة بعروس جديدة مكانها فانتقل إلى شقة أخرى، وبالطبع اصطحب نهلة وشقيقها محمود معه، ومنذ ذلك الحين انقطعت علاقتهم تقريباً بعائلة والدتها، ومنذ اللحظة الأولى التي التقت فيها أعينهما شعرا بالحب يدب في قلبيهما ووجدا أنفسهما يتحدثان معاً في سلاسة ويسر وكأنهما يعرفان بعضهما بعضاً منذ سنوات طويلة ونشأ الحب بينهما وباركه شقيقها فقد ساعده عماد في الحصول على عمل براتب كبير، وبعد أقل من عام من بداية تعارفهما عرض عماد على نهلة الزواج فوافقت على الفور وانتظرا أول إجازة لحين عودتهما إلى الوطن وتقدم عماد لطلب يدها من والدها الذي رحب به فهو شاب على خلق، كما أنه من عائلة كريمة ووالده كان من أعز أصدقائه. تمت خطبتهما وفي العام التالي تم زواجهما في حفل كبير وبعد انتهاء شهر العسل عادا إلى الدولة العربية ليستكملا رحلة عملهما معاً وعاشا حياة سعيدة وكل منهما يتبارى في التعبير عن حبه للطرف الآخر وزادت سعادتهما عندما أنعم الله عليهما بنعمة الإنجاب ورزقهما بطفلين كلهما حيوية ونشاط وذكاء فزاد ارتباط الزوجين، وبعد خمس سنوات من زواجهما قررا الاكتفاء بالسنوات التي أمضياها في الغربة والعودة إلى أرض الوطن وسارت بهما سفينة الحياة لشهور عدة بعد عودتهما، وذات ليلة حلمت الزوجة بوالدتها وهي تدعوها لزيارة جدتها وعلى الفور روت لزوجها حلمها فنصحها بضرورة تلبية الدعوة فربما تكون جدتها مريضة وبحاجة إليها لكنها كانت تخشى جفاء اللقاء فقد منعها والدها من زيارتهما منذ وفاة والدتها. شجع عماد زوجته وعرض عليها الذهاب معها فمسكن جدة زوجته قريب من منزل أسرته وهو يشعر من وقت إلى آخر بالحنين لزيارة منزل العائلة رغم أنه أصبح خالياً بعد وفاة والديه. ذهبت نهلة واستقبلتها جدتها العجوز التي ترك الزمان بصماته الواضحة عليها بترحاب شديد واحتضنتها وأكدت لها أنها تشبه والدتها إلى درجة كبيرة وسألتها عما ذكرها بها بعد هذا العمر الطويل فأخبرتها بالحلم الذي حلمته،وبعد أن انتهيا من لقائهما الحار وعتابهما قدمت نهلة زوجها لجدتها وذكرتها بأنه كان جارهما وعلى الفور تذكرته الجدة العجوز وأخذت تترحم على والدته لكنها فجأة شهقت شهقة أثارت دهشة الزوجين وسألتهما في عجلة إن كان زواجهما قد تم أم لا فابتسما وأخبراها بأن لهما طفلين فثارت العجوز في وجههما وأكدت لهما أن زواجهما باطل، في البداية شعر الزوجان بأن الزمان ربما يكون قد مس عقل العجوز لكنها تنهدت تنهيدة عميقة وقصت عليهما قصة ولادة نهلة وأن والدتها أصيبت فور ولادتها بحمى النفاس ما منعها من إرضاع نهلة لكن كرم والدة عماد وحرصها الشديد على ألا تتناول نهلة اللبن الصناعي دفعها لأن تتبرع بإرضاعها لحين تماثل والدة نهلة للشفاء، وبالفعل تم ذلك ورضعت نهلة من والدة عماد لمدة أسبوع مع شقيقه الأصغر، وبذلك تعد أختاً له ولا يجوز زواجهما. نزلت رواية العجوز كالصاعقة على الزوجين وأصيبا بصدمة أفقدتهما القدرة على النطق أوحتى الاعتراض أومناقشة حديثها واكتفيا بنظراتهما لبعضهما بعضاً ودار حديث صامت بين الزوجين من خلال نظراتهما وكأن كلاً منهما يتساءل كيف تزوج من أخيه أو أخته وهل تعتبر فترة زواجهما حراماً وهل طفلاهما ابنا حرام؟ خرج الزوجان من عند الجدة وهما يجران أذيال الخيبة وعادا إلى منزلهما والتزما الصمت وفي الصباح لملمت نهلة متعلقاتها واصطحبت طفليها وذهبت إلى منزل والدها وقررت عدم العودة إلى منزل الزوجية بناء على أن زواجها من عماد باطل، وحاول زوجها أن يقنعها بأن حديث جدتها غير صحيح وطلب رأي والد نهلة الذي أكد أنه لا يتذكر هذه الواقعة على الإطلاق لكن نهلة صممت على موقفها وذهبت إلى دار الإفتاء وقدم لها علماء الدين فتواهم بعدم شرعية الزواج إذا صدقت مقولة جدتها وأنه في هذه الحالة يكون زواجهما باطلاً منذ علمهما بهذه الواقعة استناداً إلى الحديث الشريف الذي روته عائشة وابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وعلى ذلك تكون الزوجة أختاً لزوجها في الرضاعة ويجب التفريق بينهما عن طريق القضاء لأن عقد الزواج وقع باطلاً. طلبت نهلة الطلاق من زوجها لكنه رفض وأكد أن كل كلام جدتها ادعاءات لا أساس لها من الصحة، خاصة وأن أحداً غيرها لم يؤكد كلامها. لجأت الزوجة إلى محكمة الأسرة وأقامت دعوى تطلب فيها الحكم ببطلان زواجها والتفريق بينها وبين زوجها مستندة إلى القصة التي روتها جدتها، كما قدمت فتوى دار الإفتاء إزاء هذه الواقعة الغريبة، فقررت المحكمة عرض الجدة على الطب الشرعي لمعرفة مدى قدرة ذاكرتها وقواها العقلية للتأكد من حقيقة هذا السر الغريب الذي حدث منذ أكثر من ثلاثين عاماً وهل هو حقيقي أم أنه ادعاء وخرافة للجدة المسنة التي بلغت من العمر عتياً.
مشاركة :