تجريم الممتنعين عن تسليم الميراث لمستحقيه

  • 4/8/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لقي تعديل قانون المواريث المصري، حيث تمت إضافة مواد جديدة إليه تنص على معاقبة من يمتنع أو يحرم أحد الورثة الشرعيين من نصيبه الشرعي سواء كان ذكراً أو أنثى، ترحيباً واسعاً من علماء الشريعة الإسلامية ، وكان مجلس الوزراء المصري قد وافق مؤخراً على مشروع قرار رئيس الجمهورية بخصوص تعديل لبعض أحكام قانون المواريث، يقضي بتجريم الامتناع العمدي عن تسليم الميراث أو ريعه لمستحقيه حتى لا تضيع الحقوق الثابتة شرعاً بما يؤدي إلى إحداث خلل اجتماعي واقتصادي. ونص القرار الجمهوري على تقرير عقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من امتنع عمداً عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث. كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من حجب سنداً يؤكد نصيباً للوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين.. وفي حالة العودة لأي من الأفعال السابقة تكون العقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة. طرحنا العقوبات الجديدة لمن يصادرون حقوق الوراثة على عدد من علماء الشريعة الإسلامية.. فماذا قالوا عنها؟ يؤكد العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، أستاذ السنة النبوية، عضو هيئة كبار العلماء، أن هذه العقوبات مهمة للغاية في عصر ضعف فيه الوازع الديني، وسيطرت الأطماع على الجميع، خاصة أن التوعية الدينية والاجتماعية لم تعد تكفي لمواجهة جريمة الحرمان من الميراث.. تداعيات خطيرة ويقول: لم يشهد حق قرره الخالق، سبحانه وتعالى، جحوداً كما يشهد حق الميراث، حيث يدفع الطمع بعضهم إلى حرمان أشقائهم وشقيقاتهم من حقوقهم الشرعية في الميراث، كما يدفع الشعور بالألم والحسرة بعض الآباء إلى حرمان أبنائهم العاقين من الميراث عقاباً لهم على عقوقهم.. وتداعيات هذا الحرمان في مجتمعاتنا العربية والإسلامية كثيرة ومتنوعة، حيث تتعدد وتتنوع جرائم العنف الأسري وتتطور إلى درجة أن يقتل ابن أباه الذي كان سبباً في وجوده، أو يقتل الأخ شقيقه متنكراً لصلة الدم والرحم، وما تطالعنا به صفحات الحوادث والجرائم من جرائم منكرة بسبب الحرمان من الميراث مفزع ومؤلم، ولا ينبغي أن تنتشر هذه الجرائم في مجتمعات ترتبط بوشائج المودة والرحمة بين أفراد الأسرة مثل المجتمعات العربية والإسلامية. ويؤكد د. هاشم أن ظاهرة الحرمان من الميراث منتشرة ومستمرة بشكل واضح في كل الأوساط والبيئات خاصة حرمان الإناث من الميراث.. أكل الأموال بالباطل ويضيف: أنا أول المؤيدين لهذه العقوبات حتى نردع من في نفوسهم مرض، والذين يظلمون الورثة ويحرمونهم من حقوقهم الشرعية، خاصة بعد أن تحول الحرمان من الميراث من مشكلة تعاني منها بعض الأسر إلى مشكلة تعاني منها الكثير من الأسر. ويرى د. هاشم أن الذين يحرمون الورثة من حقوقهم يتجرؤون على حدود الله ويبغونها عوجاً وهم في الحقيقة يأكلون أموال الناس بالباطل ويقطعون الأرحام بهذه المظالم، فهم هنا يأكلون أموال إخوانهم وأخواتهم اليتيمات، وقد توعدهم الخالق سبحانه ضمن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً في قوله عز وجل: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً، ولهذا يجب ردعهم بكل وسائل الردع حتى لو كانت ممثلة في السجن والغرامة. لكن عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر لا يرى الاكتفاء بتوقيع عقوبات ضد من يحرمون أشقاءهم وأقاربهم من حقوقهم الشرعية، حيث يؤكد أهمية التوعية الدينية والاجتماعية، ولذا يطالب كل علماء ودعاة الإسلام بمواجهة المتلاعبين بحدود الله، خاصة فيما يتعلق بالمواريث. إنقاذ صلة الرحم الفقيهة الأزهرية د. سعاد صالح، تبارك أيضاً هذه العقوبات، وتؤكد أنها تمثل رادعاً مطلوباً لهؤلاء الذين سيطر على نفوسهم الطمع، وتقول: الطامعون في ميراث أشقائهم وشقيقاتهم وغيرهم من الأهل والأقارب، جاحدون لحق إلهي، وهم بسبب طمعهم وجشعهم لا يدركون أن التوزيع العادل للميراث من أعظم أسباب صلة الرحم، وأن اتباع الهوى والظلم في توزيع هذا الحق الإلهي من أخطر أسباب الشقاق والتقاطع بين الأهل والمحارم، وأن من عظمة شريعتنا الإسلامية أنها حددت نصيب كل وارث بالعدل، وتضيف: إن الذين يبتعدون عن حدود الله في الميراث، ويحرمون هذا، ويعطون ذاك يزرعون بذور الفتنة بين الابن والبنت، أو بين الولد والعم بما يهدد البناء الأسري والإنساني للمجتمع كله. وهنا تؤكد أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر أن الإسلام أحاط حق الميراث بضمانات كافية ليتجنب المسلمون جميع أشكال الظلم في توزيع التركة، وتطالب الجميع بالامتثال لأمر الله، وترى أن هناك مسؤولية لولي الأمر في مساعدة الجميع على التمتع بحقوقهم الشرعية وتجنب وقوع ظلم على الضعفاء من الورثة مثل النساء والأيتام الذين يحرمون في الغالب من حقوقهم الشرعية. وأد جديد للمرأة وترى الداعية الأزهرية أن ما تعاني منه كثير من النساء من حرمان من الميراث يمثل وأداً جديداً للمرأة في مجتمعاتنا المعاصرة، ويعد استمراراً لما كان رجال الجاهلية يفعلون معها من جعلها جزءاً من الميراث، وتقول: أنا مع أي تشريع قانوني يجرم أفعال الجاهلية الحديثة الصادرة عمن تحركهم الأهواء الشخصية ويعتدون على حدود الله تعالى، وسوف يعذبهم الله في الآخرة عذاباً أليماً لأنه سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين، أما في الدنيا فيجوز لولي الأمر تعزيره بأشد العقوبات، ومنها السجن والغرامة وغيرهما من ألوان العقوبات التي ترده عن تعديه على حدود الله تعالى: ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه. وتعرب د. سعاد عن أسفها لشيوع ظاهرة الحرمان من الميراث في كثير من البيئات العربية، وتقول: مما يؤسف له أن يكون الآباء والأشقاء والأزواج هم الذين يحرمون المرأة من ميراثها، رغم أنهم مكلفون بحفظ حقوقها وهم بذلك يرتكبون إثماً عظيماً ويشوهون صورة الإسلام بهذا السلوك الظالم ويعطون خصوم الإسلام فرصة لكي يتطاولوا على الإسلام وشريعته ونظامه العادل في الميراث. وتضيف: خصوم الإسلام الآن يحاولون النيل من الإسلام لأنه لم يسو بين المرأة والرجل في الميراث، ولذلك يملؤون الدنيا صراخاً وضجيجاً بهذه الفرية، لأنهم يجهلون فلسفة الإسلام في الميراث وغابت عنهم عدالة موقفه وسمو تشريعاته وأخذوا يرددون أكاذيب يحاولون من خلالها النيل من الإسلام، فإذا كانوا يفعلون ذلك لمجرد غياب الحكمة من تفاوت نصيب الرجل والمرأة في الميراث، فما بالنا بمواقفهم المعادية للإسلام وشريعته وهم يرون بعض المسلمين يحرمون الإناث من الميراث تحت مبررات ودعاوى واهية تسيطر على عقول البسطاء منهم؟ مواجهة العقوق الأسري عالم الشريعة الإسلامية د. محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، يؤيد ويبارك هذه العقوبات لمواجهة ظاهرة العقوق الأسري التي نعاني منها في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ويقول: الميراث وفق ما جاء في القرآن الكريم حق قرره الله عز وجل، ولا يجوز لأحد إذا ما قرر الخالق حقاً أن يصادره، أو يتلكأ في تنفيذه، أو يتحايل عليه بأي شكل من أشكال التحايل، فشأن المسلم أمام ما يقرره الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول سمعنا وأطعنا، والقرآن يطالب المسلم بذلك فيقول: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. ويضيف: إن الحرمان من الميراث عدوان صارخ على شرع الله، وهو لا يمثل مخالفة شرعية فحسب، بل فيه إنكار أو جحود لأمر قرره الخالق، وهذا يخرج بالمسلم عن دائرة الإيمان.. ومن واجب ولي الأمر أن يتخذ من الإجراءات ويقرر العقوبات التي تؤدي في النهاية إلى حصول الجميع على حقوقهم الشرعية.. فالله سبحانه وتعالى هو الذي قسّم المواريث بنفسه في كتابه الحكيم، وجعل الميراث وصية وفريضة فقال: يوصيكم الله في أولادكم، وقال في آخر آية المواريث: آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إن الله كان عليماً حكيماً. معصية كبرى ويوضح عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أن الإسلام لم يحرم من الميراث إلا القاتل لمورثه فلا ميراث للقاتل.. ومن هنا يحذر من الطمع في الميراث لأنه يخلق الكراهية والبغضاء بين الإخوة والأقارب المستحقين للميراث، ويقول: إن ساحات المحاكم تشهد قضايا محزنة ومخزية أطرافها أشقاء يتنازعون على ميراث الأب والأم، وهذه القضايا يحركها الجشع والطمع والرغبة في أكل أموال الناس بالباطل، ولو علم هؤلاء الطامعون ما ينتظرهم من عذاب أليم ما فكروا لحظة في حرمان أحد من حقه الشرعي. وينصح أستاذ الشريعة الإسلامية كل مسلم بالانصياع راضياً قانعاً بما قرره الخالق سبحانه، ويقول: يجب أن يعلم كل مسلم أن الالتزام بما شرعه الله في الميراث وإعطاء الحقوق لأصحابها يجلب له رضا الله وعظيم ثوابه، وأن حرمان الناس من حقوقهم الشرعية في الميراث معصية كبرى لله، وعدوان على حدوده، وبقدر ما كان الفوز عظيماً في الالتزام بمنهج الله، والحرص على إعطاء الحقوق لأصحابها، بقدر ما يكون العقاب شديداً وقاسياً على الطامعين، ولذلك قال الحق سبحانه عقب آيتي الميراث: تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين. صورة بشعة د. مريم الداغستاني، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، تؤيد وتساند كل الإجراءات والعقوبات التي تنصف المظلومين داخل المجتمع، خاصة إذا ما كانوا من الضعفاء.. وتقول: للأسف توارثنا في كثير من بلادنا العربية سلوكاً جاهلياً مقيتاً وهو حرمان المرأة من ميراثها، وهذه جريمة يرفضها الشرع، وهي صورة من صور الإهدار المتعمد للحقوق الشرعية للمرأة في بلادنا العربية تدفع إليها - للأسف - ثقافة ذكورية متوارثة في البيئة العربية تميز الرجل على المرأة في كل شيء حتى في الحقوق الشرعية التي قررها الخالق سبحانه، وتضيف: إن ثقافة حرمان المرأة من حقها في الميراث، يجب أن تختفي من حياتنا للأبد، لأنها تمثل صورة بشعة لإهدار حقوق المرأة المسلمة، وهي تعطي الفرصة لخصوم الإسلام للطعن فيه والتطاول عليه. وتقول: نحن مع كل تشريع يفرض على الناس احترام تعاليم دينهم، لكننا نؤكد أن التشريع وحده لا يكفي، والأهم من التشريع الذي يمكن أن يتحايل عليه بعضهم هو التربية الإيمانية، والالتزام بما شرعه الله عز وجل، وحرمان المرأة من حقها في الميراث جريمة كانت موجودة في الجاهلية، وجاء الإسلام وحاربها لوقف ظلم كانت تتعرض له النساء وما زلن للأسف يتعرضن له في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. وتنتهي أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر إلى المطالبة بالتربية الإسلامية للصغار، وتقول: واجبنا أن نربي أولادنا منذ الصغر على احترام الحقوق الشرعية، وأن نعلمهم أن الميراث هو توزيع رب العالمين، وأن أي عدوان عليه هو أكل لأموال الناس بالباطل، وأن المال الحرام لا يقبل الله معه عملاً، ولا تنفع منه صدقة.

مشاركة :