أثار مشروع إقامة تمثال للعقيد مارسيل بيجيرد المعروف بتعذيبه للجزائريين في فرنسا جدلا واسعا في باريس والجزائر، حيث اعتبر إهانة لذكرى ضحاياه كما ينكأ جروح الذاكرة الجزائرية ويعيق المصالحة التي طال الحديث عنها. باريس - ترتفع الأصوات في فرنسا والجزائر ضد مشروع إقامة تمثال للعقيد مارسيل بيجيرد بسبب دوره في الحرب الجزائرية واتهامات بتعذيب الجزائريين؛ حيث ينكأ جروح الذاكرة بين البلدين ليقف عقبة أمام مصالحة تاريخية حول الماضي الاستعماري. ويتهم بيجيرد بتدبير وممارسة التعذيب ضد الجزائريين وقد وضع كتابا لمكافحة حرب العصابات، اعتبر دليلا على التعذيب، وهذا الدليل يشهد على رؤيته للحرب وأساليبها. وأعرب مؤرخون وجمعيات عن سخطهم ورفضهم تمجيد مثل هذه الشخصية التي تعتبر من رموز الحرب الجزائرية. وينظر الكثيرون إلى إقامة تمثال تكريما لبيجيرد على أنها إهانة لذكرى الضحايا الجزائريين وعقبة أمام المصالحة بين البلدين. وهدد الاتحاد الجزائري باللجوء إلى القضاء. وقال في بيان على حسابه في إكس: وتهدف حملة للتوقيع على عريضة أطلقها المؤرخان فابريس ريسبوتي وآلان روسيو، بدعم من الجمعية الفرنسية للتاريخ الاستعماري، إلى منع نصب التمثال. وجاء في تغريدة نقلا عن المؤرخين ريسبوتي وآلان روسيو: وكتب المؤرخان في موقع جمعية التاريخ الاستعماري أنه بمبادرة من مؤسسة مارسيل بيجيرد قرر مجلس مدينة تول، المدينة التي ولد فيها العقيد، تحديد موعد لإقامة تمثاله في الفضاء العام، الذي صنعه نحات قريب من اليمين المتطرف. وقال المؤرخان إن الجمعية تضم صوتها إلى المطالبين بالتخلي عن هذا المشروع لأحد ” الرموز الرئيسية للتعذيب الذي مارسه الجيش الفرنسي في حروبه الاستعمارية في الهند الصينية والجزائر”. وفي الرابع من الشهر الجاري طالبت عدة منظمات غير حكومية وجمعيات، لاسيما من المحاربين القدامى، بأن تعترف الدولة الفرنسية بـ”مسؤوليتها” عن ممارسة التعذيب خلال حرب الجزائر (1954 – 1962)، في مبادرة لـ”تهدئة” التوتر بين البلدين. وكتبت قرابة عشرين منظمة في ملف أرسل إلى الإليزيه، وتم تقديمه في مؤتمر صحفي، أن “سلوك طريق فهم الدوامة القمعية التي أدت إلى ممارسة التعذيب، والذي شكل الاغتصاب أداته الأساسية ليس تعبيرا عن الندم، بل هو عامل من عوامل الثقة بقيم الأمة”. وجاء في تعليق: وأعاد مشروع التمثال الجدل حول شخصية بيجيرد بين الفرنسيين، فبعضهم يراه بطلا وبعضهم الآخر يراه مجرم حربٍ لم يكفّر عن جرمه. وإلى حين وفاته، ظل بيجيرد ينكر أية صلة مباشرة له بأعمال التعذيب، بل إنه كان يدافع عما أسماه تكتيكات عنيفة في استجواب الأسرى باعتبار أنها “شر لا بد منه”. أما الموقع الإلكتروني الفرنسي الموالي للجيش (منطقة عسكرية) فقد دافع عن بيجيرد في مقال صدر في 30 نوفمبر واصفا إياه بالبطل. وجاء في المقال “لا وجود لحرب واضحة المعالم. زيادة على ذلك، فالجنرال بيجيرد لم تصدر بحقه أبدا أي إدانة بالأعمال التي ينسبها إليه أصحاب العريضة”. وفي سنة 2000 اتهمته المناضلة الجزائرية لويزيت إيغيلهريز التي كافحت من أجل الاستقلال بأنه أمر بتعذيبها لكنه نفى ذلك، معتبرا في الوقت نفسه أن التعذيب “شر لا بد منه”. وقالت إيغيلهريز لوكالة فرانس برس عقب إعلان وفاة الجنرال الفرنسي إنه كان من الأحرى أن “يتقدم بيجيرد بالاعتذار” إلى الشعب الجزائري وأن “يريح ضميره” قبل وفاته. وأضافت “حتى اللحظة الأخيرة كنت أعتقد أنه سيعترف بأفعاله ويتقدم بالاعتذار إلى الجزائريين”. وأكدت المناضلة الجزائرية أن اسم بيجيرد في بلادها “مرادف للموت والتعذيب. كان عليه أن يريح ضميره. آمل أن ينال العقاب الذي يستحقه”. ◙ مشروع التمثال أعاد الجدل حول شخصية بيجيرد بين الفرنسيين، فبعضهم يراه بطلا وبعضهم الآخر يراه مجرم حربٍ لم يكفّر عن جرمه وانتشرت أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر أساليب تعذيب متعددة استخدمتها أفواج من المظليين الفرنسيين بشكل خاص، من بينها الإغراق واستخدام أسلوب الصدم الكهربائي عند الأعضاء التناسلية. وحُمل بيجيرد والجنرال جاك ماسو الذي كان يقود فرقة المظليين العاشرة مسؤولية هذه الأحداث التي انتقدها العديد من المثقفين الفرنسيين، ونادرا ما انتقدها العسكريون. وفي سنة 1999 قدم بيجيرد ما يشبه الاعتراف بمسؤوليته عن أعمال التعذيب في الجزائر، قائلا لفرانس برس “هل من السهل عدم القيام بشيء عندما نشاهد أعضاء النساء والأطفال ممزقة في انفجار قنبلة؟”، في إشارة إلى الهجمات التي كانت تستهدف الوجود الفرنسي. وفي يونيو 2000 أثار عاصفة من الجدل عندما اعتبر أن التعذيب الذي وقع في الجزائر “شر لا بد منه”. وتولى بيجيرد بعد حرب الجزائر منصب وزير منتدب للدفاع (1975 – 1976) في عهد الرئيس فاليري جيسكار ديستان، كما كان نائبا يمينيا من 1978 إلى 1988. وما إن صدر خبر وفاته في يونيو 2010 حتى أعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن “حزنه العميق” لوفاة “جندي كبير جدا” كان يمثل “بالنسبة إلى الفرنسيين صورة المقاتل البطل”، مؤكدا أن “تاريخه كان مثاليا وسيبقى نموذجا للجمهورية”. كذلك أشاد وزير الدفاع أرفيه موران بالجنرال بيجيرد معتبرا أن اسمه وحده يختزل “كافة أوسمة المجد وكافة الرتب”. ومنذ عام 2022 كثفت باريس والجزائر جهودهما لإعادة بناء علاقة أكثر هدوءا، من خلال إزالة العقبات تدريجياً من المسائل المتعلقة بفترة الاستعمار الفرنسي وحرب استقلال الجزائر. وتم إنشاء لجنة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين في العام نفسه، من قبل رئيسي الدولتين من أجل "فهم متبادل بشكل أفضل والتوفيق بين الذكريات الجريحة"، كما جاء في بيان الرئاسة الفرنسية. وفي أبريل 2023 أعلنت الرئاسة الجزائرية عقد اللجنة أول اجتماع لها، والذي تم عبر تقنية الفيديو، مشيرة إلى أنه تم الاتفاق خلاله على "معالجة جميع القضايا المتعلقة بالفترة الاستعمارية والمقاومة وحرب التحرير المجيدة"، إضافة إلى "مواصلة التشاور والاتصالات من أجل وضع برنامج عمل مستقبلي".
مشاركة :