في غضون ذلك، تواصل إسرائيل عملياتها الميدانية، ولا سيما في مجمع الشفاء الطبي والأحياء المحيطة به في مدينة غزة، حيث أعلن الجيش قتل "أكثر من 150" مقاتلا فلسطينيا واعتقال 350 آخرين في العملية التي بدأها الإثنين. وفي جولته الإقليمية السادسة منذ اندلاع الحرب مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وصل بلينكن الى إسرائيل حيث سيجتمع برئيس وزرائها بنيامين نتانياهو في لقاء يتوقع أن يغلب عليه التوتر في ظل التباين المتزايد بين البلدين الحليفين في الآونة الأخيرة. وكانت الولايات المتحدة أبرز داعم لإسرائيل سياسيا وعسكريا منذ اندلاع الحرب. الا أن واشنطن كررت في الفترة الماضية توجيه انتقادات للدولة العبرية على خلفية القيود المفروضة على إدخال المساعدات الإنسانية والحصيلة البشرية الباهظة للمدنيين في القطاع الفلسطيني المحاصر. ويعقد بلينكن لقاء ثنائيًا مع نتنياهو قبل الظهر في وزارة الدفاع، ثم يشارك في اجتماع لحكومة الحرب الإسرائيلية. وزار الوزير الأميركي السعودية ومصر قبل وصوله الى إسرائيل الجمعة. وهو تحدث في القاهرة عن "تقارب" في المفاوضات التي يقودها الوسطاء، أي الولايات المتحدة وقطر ومصر، بين إسرائيل وحماس من أجل التوصل الى هدنة تتيح الإفراج عن الرهائن وإتاحة إدخال مزيد من المساعدات الى غزة. وأكد بلينكن أن بلاده طرحت على الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يدعو "إلى وقف فوري لإطلاق النار مرتبط بالإفراج عن الرهائن". ومن المقرر أن تطرح واشنطن مشروع القرار على التصويت في وقت لاحق الجمعة. وينص المشروع الذي اطلعت عليه فرانس برس على "وقف فوري ودائم لإطلاق النار لحماية المدنيين من الجانبين والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية الأساسية". ولم يتضح بعد ما اذا كان المشروع الأميركي سيلقى دعم الدول الأخرى. لكن في مؤشر على تزايد الدعوات لتهدئة في الحرب، دعت المملكة المتحدة وأستراليا الجمعة، إلى "وقف فوري" للقتال للسماح "بإيصال المساعدات والإفراج عن الرهائن. كما قالت الصين إنها تدعم جهود مجلس الأمن الدولي لوقف القتال في قطاع غزة، من دون أن تقول صراحة إن كانت ستؤيد مشروع القرار الأميركي. العملية في رفح "خطأ" وسبق للولايات المتحدة أن استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد عدة مشاريع قرار تدعو لوقف إطلاق النار، قائلة إن ذلك سيصب في مصلحة حماس. لكن أمام الخسائر البشرية الفادحة والمجاعة التي تحيق بسكان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة، تضاعف واشنطن جهودها للتوصل إلى هدنة وتجنب هجوم بري على مدينة رفح المكتظة بالسكان في جنوب القطاع. وقال بلينكن الخميس إن "من الخطأ" تنفيذ عملية اسرائيلية في رفح، مضيفا "هناك طريقة أفضل للتعامل مع التهديد المستمر الذي تمثله حماس". وتضغط الولايات المتحدة على إسرائيل منذ أسابيع للامتناع عن اجتياح المدينة التي ارتفع عدد سكانها إلى مليون ونصف مليون شخص، وفق الأمم المتحدة، مع تدفق النازحين إليها من المناطق المدمرة في الشمال والوسط، خشية وقوع كارثة إنسانية. بدورهم دعا قادة دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون الخميس الى "هدنة إنسانية فورية"، وحضوا إسرائيل على الامتناع عن العملية البرية في رفح. في المقابل، يؤكد نتانياهو أن هدفه المعلن بـ"القضاء" على حماس لا يمكن تحقيقه دون هجوم على "آخر معاقلها" في المدينة الحدودية مع مصر. رئيسا الموساد والسي آي إيه في قطر وكان بلينكن التقى في مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي واجتمع مع نظرائه من مصر وقطر والسعودية والأردن والإمارات. وأصدر الوزراء الخمسة إلى جانب ممثل للسلطة الفلسطينية قبل اللقاء بيانا مشتركا أكدوا فيه "أولوية تحقيق وقف شامل وفوري للنار وزيادة نفاذ المساعدات الإنسانية، وفتح جميع المعابر بين إسرائيل وقطاع" غزة. وتتواصل في الدوحة محادثات يديرها الوسطاء للتوصل الى هدنة. وأعلنت الحكومة الإسرائيلية أن رئيس الموساد ديفيد برنيع سيعود الجمعة إلى الدوحة حيث يلتقي مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي ايه" وليام بيرنز ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ومدير المخابرات المصرية عباس كامل. وبعد المطالبة بوقف نهائي لإطلاق النار، اتخذت حماس موقفا اكثر مرونة الأسبوع الماضي مقترحة وقف القتال لستة أسابيع. لكن يبدو أن خلافات لا تزال قائمة حول تبادل رهائن إسرائيليين محتجزين في غزة مقابل سجناء فلسطينيين في إسرائيل. وتطالب إسرائيل حماس بلائحة بأسماء الرهائن الأحياء قبل أي اتفاق في حين تريد الحركة الإسلامية اختيار الاسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم، حسب تقارير إعلامية إسرائيلية. "أكثر من نار جهنّم" اندلعت الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عقب هجوم شنّته حماس على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل ما لا يقلّ عن 1160 شخصا، معظمهم مدنيّون، حسب حصيلة أعدّتها وكالة فرانس برس تستند إلى أرقام رسميّة إسرائيليّة. وتقدّر إسرائيل أنّ نحو 130 رهينة ما زالوا محتجزين في غزة، بينهم 33 يعتقد أنهم لقوا حتفهم، من بين نحو 250 شخصا اختطفوا في هجوم حماس. وتوعدت إسرائيل بالقضاء على الحركة ونفّذت حملة قصف مركّز أتبعتها بهجوم برّي واسع، ما أسفر عن مقتل نحو 32 ألف شخص وخلف 74188 جريحًا غالبيتهم نساء وأطفال، حسب وزارة الصحة التابعة لحماس. وتزامنا مع الجهود الدبلوماسية، يتواصل القصف والمعارك بلا هوادة. وفي اليوم الخامس لعمليته في مستشفى الشفاء ومحيطه، ما زالت المنطقة التي اقتحمها الجيش الإسرائيلي بالدبابات ترزح تحت وابل النيران والقصف والغارات التي دمرت مئات المنازل وأجبرت مئات العائلات على الفرار، وفق شهود عيان تحدثوا عن رؤية سكان يفرون سيرًا بأعداد كبيرة وفي مجموعات باتجاه مدينة غزة ومن ثم عبر طريق الرشيد الساحلي باتجاه الجنوب. ولا تُعرف بعد حصيلة ضحايا هذه العملية. لكن الفارين يتحدثون عن "جثث منشرة في الطرقات". وتحدث محمد (59 عاما) وهو من سكان مخيم الشاطئ القريب من المجمع الطبي الأكبر في غزة، في اتصال مع فرانس برس عن "إطلاق نار وقصف مدفعي طوال الليل. الجيش فجّر 5 بيوت قرب مستشفى الشفاء". وأضاف "شاهدت في شارع الشفا جثثًا كثيرة والدبابات تقف في الشوارع المؤدية للمستشفى. شاهدت النيران تشتعل في منزل بجانب الشفا". وأضاف "منطقة الرمال والشاطئ مثل مدينة أشباح. الجيش يقتحم الأحياء بيتًا بيتًا ويعتقل كل الذكور. كل الناس خائفة من الاعدامات والحبس... حوّلوا غزة الى أكثر من نار جهنم". وقال محمود أبو عمرة (50 عاما) وهو من سكان حي الرمال إن "قوات الاحتلال اقتحمت فجر اليوم (الجمعة) جميع المنازل والعمارات السكنية في محيط منطقة الكتيبة ودوار الامم المتحدة غرب غزة". وأضاف "أخرجوا جميع السكان من المنازل وأجبروا كل الشباب الذكور فوق سن 16 عاما على خلع ملابسهم بالكامل إلا الملابس الداخلية السفلية، وقاموا بتقييدهم وضربهم بأعقاب البنادق وشتمهم بشتائم نابية. ثم أخذوهم إلى مدرسة بجانب مستشفى الشفاء للاستجواب". وتتواصل الظروف الانسانية الصعبة. وقالت لجنة حقوق الطفل الأممية الخميس إن "الأطفال (في غزة) يموتون جوعا. إنهم محرومون من الطعام" وجددت النداء لوقف النار. وأحكمت إسرائيل بعيد اندلاع الحرب حصارها على قطاع غزة. ويتحكم الجيش والإدارة الإسرائيلية بكل ما يدخل إليه ويخرج منه من أشخاص ومساعدات وبضائع. سعيًا لزيادة المساعدات وتخفيف معاناة السكان، تنفذ دول عدة عمليات إنزال جوي يومية لرزم أغذية، وتم تدشين ممر بحري من قبرص التي قالت إنها تعمل على إرسال "أكبر عدد ممكن من السفن". لكن وكالات الإغاثة تؤكد أن طرق الإمداد هذه لا يمكن أن تحل محل الطرق البرية. وتؤكد الأمم المتحدة أن القيود المشددة التي تفرضها إسرائيل تعوق دخول المساعدات برا عبر معبر رفح الحدودي، وأن ما يدخل لا يلبي الاحتياجات الهائلة لسكان القطاع.
مشاركة :