يؤكد الإنجاز التنموي الذي يشهده الاقتصاد الوطني حالياً، أن الرهان على التصنيع كان، وما يزال، رهاناً تنموياً ناجحاً. وقد كان الوعي بالأهمية الفائقة لتنمية القدرات الصناعية سبباً في إطلاق الحكومة في عام 2021 برنامجاً تصنيعياً طموحاً هدفه الوصول بمساهمة القطاع الصناعي إلى نحو 300 مليار درهم ضمن الناتج المحلي الإجمالي خلال عشر سنوات، أي بحلول عام 2031. ولعل ما تحقق بالفعل على أرض الواقع الصناعي يؤكد أن الاقتصاد الإماراتي سيتفوق على نفسه مجدداً ويصل لهدف 300 مليار درهم قبل ذلك التاريخ، إذ تبلغ المساهمة الحالية للقطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي نحو 197 مليار درهم وبمعدل نمو قياسي نسبته 49% مقارنة بنتائج عام 2020. إن البحث خلف هذا الإنجاز التصنيعي يشير إلى تضافر الجاهزية الوطنية للصناعة والتحول لتعميق المكون المحلي والقبول الواسع عالمياً للمنتجات التي تحمل شعار «صنع في الإمارات». كما أن استشراف مستقبل الصناعة الوطنية يؤكد أنها تملك ريادة تقنية ومستقبلاً واعداً، ليس على صعيد تفوقها إقليمياً فحسب، بل بوصولها إلى آفاق دولية أرحب في آسيا وأفريقيا وباقي أسواق العالم. إن الدخول في تفاصيل ومؤشرات الجاهزية الوطنية للتصنيع يكشف عن حقائق عدة تفسر هذا الإنجاز التصنيعي وتدعم استمراره في السنوات المقبلة. إذ إن التهيئة الواعية لبيئة الأعمال أمام التصنيع تجلت في حلول الدولة في المركز الأول إقليمياً والـ37 عالمياً في مؤشر جاهزية التكنولوجيا المتقدمة في تقارير التنافسية العالمية. كما حلت أيضاً في المركز الأول عربياً والـ29 عالمياً في مؤشر الأداء الصناعي التنافسي، والأول إقليمياً والـ11 عالمياً في مؤشر البنية التحتية للجودة والتطور المستدام. وإيماناً من الحكومة بأهمية تعميق المكون المحلي في التصنيع لزيادة القيمة المضافة الصناعية، فقد وضعت البرامج الداعمة لهذا التعميق، وزادت الحوافز المالية والتمويلية والجمركية للشركات الصناعية التي تعتمد على المكون المحلي. كما أن هناك الآن نحو 1400 منتج بقيمة 120 مليار درهم تجري بخطى ثابتة توطين صناعتها في خطوط الإنتاج المحلية، وهي تضيف إلى استراتيجية التصنيع للإحلال محل الواردات إنجازات استثمارية بقيمة نحو 9 مليارات درهم. وبالتوازي مع نجاح استراتيجية الإمارات للإحلال محل الواردات الصناعية، كان للقبول الواسع للمنتجات المصنعة في الإمارات في الأسواق الدولية كافة عظيم الأثر في نجاح استراتيجيتها الرائدة للتوجه إلى التصدير، أي أن دولة الإمارات استطاعت تحقيق المعادلة الصعبة بالمزج بين استراتيجية الإحلال محل الواردات واستراتيجية التوجه للتصدير. كما ظهر تفوقها في التصنيع عالي التقنية بوصول قيمة هذه الصادرات في عام 2022 نحو 11.8 مليار درهم، ما يمثل 9% من إجمالي الصادرات المصنعة. وفي حين حققت الصادرات الصناعية في عام 2023 مستوى قياسياً جديداً بوصولها إلى نحو 187 مليار درهم، وبمعدل نمو 61% مقارنة بعام 2020، كان الازدهار حليف الصادرات المصنعة من المعادن ومواد البناء والأغذية والمشروبات، إذ أسهمت هذه الصادرات بما يقارب نصف إجمالي الصادرات الصناعية في العام نفسه. ونتيجة لذلك، أصبح من المألوف مشاهدة المنتجات الصناعية الإماراتية تنافس بقوة على كسب ثقة المستهلكين في الأسواق الدولية. ولا شك أن ما يكلل الجهود التصنيعية بكل هذا النجاح والازدهار يكمن في رؤية الدولة واستراتيجيتها الصناعية لتوطين التقنية والابتكار مع تمكين رأس المال البشري والكوادر المواطنة من مهارات المستقبل. فمن خلال المزج بين التقنية الحديثة والمهارات البشرية العالية، أمكن لهذا القطاع الحيوي أن يحقق كل هذا الإنجاز، واستطاعت دولة الإمارات أن تعقد آمالها على مستقبل اقتصادي أكثر تصنيعاً وأكثر ريادة عالمياً. *صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
مشاركة :