ليش يا زهاء ليش؟!

  • 4/8/2016
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

ليس من طبع هذا العمود أن يكتب نعيًا لأحد. ولكن القارئ الفاضل محمد أحمد محمد كتب لي من مصر الحبيبة يدعوني كعراقي مقيم في لندن أن أكتب نعيًا لهذه العراقية المقيمة في لندن زهاء حديد. وأقول: المقيمة في لندن رغم وفاتها، حيثما تَسِر تجدها أمامك. فحتى في هذا المتنزه الكبير في لندن، هايد بارك، ستجدها مقيمة فيه. هناك عشرات المقاهي في هذا المتنزه، ولكن مقهى واحدًا منها سيستوقفك بدهشته، فلا تملك غير أن تقول: آه، نعم. إنها زهاء حديد ولا شك. هذا ما حدث لي قبل عدة سنوات. لم أكن أعرف شيئًا عن العمارة ولا عن زهاء حديد عندما اقتادني صديق لي في مدينة فيينا لمشوار على شاطئ الدانوب. مرت أبنية كثيرة أمامنا على الجانب الآخر ونحن نسير. وإذا بي أتوقف فجأة، وأتسمر في مكاني مندهشًا. أشرت بيدي إلى بناية على الجانب المقابل. قلت لصاحبي: هذا مبنى رائع حقًا. أجابني وقال: «ما تعرف؟ هذي البناية من تصميم زهاء حديد»! ومن حينها، بدأت مشواري في تتبع أعمالها وأخبارها. حاولت عدة مرات أن ألتقي بها في إحدى محاضراتها في لندن. وفشلت في كل مرة. «آسف يا سيدي. كل بطاقات المحاضرة بيعت يوم الإعلان عنها»! كنت سائرًا بسيارتي، عندما فتحت الراديو على نشرة أخبار «بي بي سي». وإذا بالخبر الأول كان نبأ وفاتها. لم أتمالك إلا أن أثور على نفسي وعلى «بي بي سي» وقارئ الأخبار فيها، وعلى الفقيدة نفسها: «ليش يا زهاء، ليش تتركينا؟». كم نحن بحاجة لمثلها في هذا الزمن التعيس من تاريخنا العربي. لم تكن زهاء فقيدة للعراق فقط، ولا للعالم العربي فقط، وقد مسنا الضر وعز علينا من يستطيع إعادة زرع الثقة بأنفسنا. كانت فقيدة للعالم كله، وبصورة خاصة لقضية المرأة. فطالما قال الذكوريون إن المرأة أقل من الرجل. فهي لا تستطيع أن تنازل الرجل في علم الرياضيات ولا في التأليف الموسيقي ولا في تصميم العمارة. هكذا كان الأمر حتى ظهرت زهاء حديد. فلأول مرة اكتسحت الميدان امرأة عزباء، وجاءت من العراق. يتساءل القوم: هل ستنتهي زهاء بوفاتها؟ طبعًا لا، فأسلوبها الخاص أصبح مدرسة لسائر المعماريين، حتى في الصين راح المعماريون هناك يقلدون أسلوبها في بناياتهم. وأنت لا تحتاج لأي معرفة في فن العمارة لتتعرف بها. فأسلوبها يصدمك بدهشته حالما تنظر لتصميم من تصاميمها. وهذا ما سيضمن بقاء المركز المعماري الكبير الذي أقامته في لندن، ويعمل فيه الآن عشرات من تلامذتها المعماريين والمهندسين والفنانين. ولأول مرة في العالم، نالت زهاء حديد بوصفها امرأة الميدالية الذهبية للمعهد الملكي للمعماريين في لندن، وجائزة البرزكائر العالمية. وأرجو المعذرة ومسامحتي يا أخي محمد أحمد محمد أن أذكر، فأقول: ولأول مرة حصلت كامرأة على نعيها في عمود القشطيني من هذه الصحيفة!

مشاركة :