تواجه أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة تحديات يومية للقيام بمهمة الرعاية وتوفير الدعم لأبنائهن، حيث تكون مسؤولياتهن مضاعفة، لاسيما أمام حجم الضغوط التي يتعرضن لها بسبب قلة وعي الأقارب والأصدقاء بوضعية الابن المختلف، فتربيته تقع على عاتق الأم وحدها بوصفها عالمه الأول ومصدر ثقته بنفسه وشعوره بالتقبل، ما يجعل منها شخصية ملهمة ومصدر قوة في المجتمع. بغداد- تعتبر الأمهات ممن لديهن أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة من أكثر الشخصيات إلهاما وقوة في المجتمع، فهن يواجهن تحديات يومية لا يمكن تصورها من أجل توفير الرعاية والدعم لطفلهن، حيث تتطلب هذه المهمة قدرا كبيرا من الصبر والقوة والتفاني. وتفسر الدكتورة في علم النفس التربوي، ميادة أحمد، أن الأم هي العالم الأول للطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومصدر ثقته بنفسه وشعوره بالتقبل، لكن الكثير من الأمهات العراقيات، يتعرضن للكثير من الضغط وذلك لمحاولاتهن تربية أولادهن لوحدهن دون دعم أو مساندة من أحد، حيث تكون مسؤولياتهن مضاعفة. وعلى الرغم من عبء المسؤولية التي تتحملها الأم لكن لا تثقلها سوى سخرية وتنمّر المجتمع، من الضروري أن يقف الجميع مع أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بدلاً من اتباع أسلوب سلبي تجاههن، ذلك أن الحديث واللوم، من الممكن أن يدخل الأم في نوبات اكتئاب حادة، تجعلها غير قادرة على الاستمرار برعاية ابنها، وفق أحمد. ميادة أحمد: اللوم المستمر، يجعل الأمهات يشعرن بأن أمومتهن مجروحة وينتابهن الحزن وتعد سلوى علي واحدة من الأمهات العراقيات اللواتي عشن تجربة تربية طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ عاشت لأكثر من أربع سنوات، مع صغيرها محمد المصاب بمتلازمة داون، رحلة مليئة بالتحديات والصعاب المليئة بالأمل والحب، رغم كل شيء، إلا أنها سعيدة بتميز ابنها. ولفتت علي في حديثها لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إلى أن “رحلة أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة تختلف عن رحلة أي أم أخرى، تبدأ بالصدمة عند اكتشافها الأمر، ثم تتأرجح مشاعرها بين مراحل نفسية مختلفة حتى تصل إلى التقبل والتصالح مع النفس والوضع، ثم تسأل نفسها، كيف يمكن حماية ابني؟”. وأضافت “كنت أعتقد في بادئ الأمر أن لمتلازمة داون علاجا، خاصة بعد كل مرة أرى فيها نوعا من الشفقة أو السخرية بحق ابني محمد، لكني قرأت كثيرا، وبدأت بطرق وأسئلة أقدمها لنفسي، ماذا أتوقع من صغيري سوى الابتسامة؟، لكني تفاجأت، إذ أن محمد علمني الكثير، أولها أن أكون أما”. وتنصح سلوى بأن لا يتم تحميل الأطفال فوق طاقتهم، وأن لا يطلب، أو يتوقع منهم الكثير، قائلة إنهم يحبون الآخرين، ولا يريدون شيئا سوى الحماية، مبينة أن “الأقارب لا يملكون الكثير من المعلومات، فمن الضروري جدا أن لا تشعر الأم بالخجل وهي تطلب رعاية ابنها، والتعامل معه بطريقة معينة”. وتابعت “في البدء، كنت أشعر بالحرج من أن أقول لهم إنه لا يحب المزاح، حتى عاد الأمر بشكل سيئ للغاية عليه وعليّ، صار يبكي لساعات، حتى حينما أقترب منه لحمله أو احتضانه، لكن اليوم، وكلما أراد أحدهم حمله أو المزاح معه أطلب منه الابتعاد”. أما ميساء سالم أم الطفلة ديما المصابة بالتوحد فتؤكد أن أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة “لا بد وأن يمرُرْن بمرحلة المقارنة، فقد نقارن أطفالنا لا شعوريًا، ولكن طالما أن هذه المقارنة ليست محطمة للطفل فلا بأس! حسنا، ما هي المقارنة المحطمة؟ هي المقارنة التي بعدها تشعر الأم بالإحباط”. ◙ أمهات يواجهن تحديات يومية لا يمكن تصورها من أجل توفير الرعاية والدعم لطفلهن ◙ أمهات يواجهن تحديات يومية لا يمكن تصورها من أجل توفير الرعاية والدعم لطفلهن وذكرت سالم أن ابنتها البالغة من العمر خمس سنوات والمصابة بالتوحد جعلتها وعلى مدار سنوات لا تعلم كيف تعاملها، قائلة “تنهار ابنتي بالبكاء، وأنهار معها، لا أحد يعلم حجم معاناتي وأنا أرى أن ابنتي غير قادرة على الاختلاط بالأطفال أو اللعب بشكل طبيعي، وأتساءل، لماذا هي غير قادرة على أن تكون سعيدة مثل بقية الأطفال؟”. وخاضت ميساء وزوجها على مدار سنوات، رحلة علاج سلوكي مع ابنتهما، مشيرة إلى أن هناك تحسنا كبيرا، موضحة “من خلال احتوائها وتقبلها وبناء ثقتها بنفسها. بأبسط الأمور، كأن تكون تحركت من مكان آخر، أصفق لها، وأجعلها تشعر بالثناء، بالطبع مررت بلحظات تمنيت فيها الموت، خاصة حينما تسوء حالتها الصحية، وتبدأ بالتوقف عن تناول الطعام”. ويعود الأقارب غالبا باللوم على الأم، لم لا تعتنين بها؟ لم لا تجدين طبيبا يعالجها؟ ألا ترين أنه من الأفضل الاستمرار في منحها العلاج؟، أسئلة كثيرة تستقبلها ميساء، قائلة “يحاولون دائما لومي ومنحي شعورا بأني أم سيئة، وكأنهم يعلمون بوضع ابنتي أكثر مني، بالإضافة إلى أن بعضهم أحيانا يتهمني بإصراري على بقاء ابنتي مصابة بالتوحد، كيف أقنعهم بأن لا علاج للتوحد؟”. “ابنك مصاب بالشلل الدماغي التشنجي”، هكذا قال الطبيب لنور سعيد، عند زيارتها له مع ابنها البكر، حزنت كثيرا، ولكنها كانت متحمسة لرحلة الرعاية معه. ◙ رحلة أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة تختلف عن رحلة أي أم أخرى تبدأ بالصدمة عند اكتشافها الأمر، ثم تتأرجح مشاعرها بين مراحل نفسية مختلفة حتى تصل إلى التقبل تقول سعيد، في حديثها لوكالة الأنباء العراقية إنها وزوجها حاولا كثيرا إيجاد حل لابنهما، لكنه سيعيش هكذا، بعد محاولات عديدة جاءت بنتائج خطرة عليه، تأكدت نور، أنها لا تريد سوى الاحتفاظ بابنها. وتضيف “أكثر ما جرحني، حينما قالت لي إحدى قريباتي، مسكينة، سيتوقف مستقبلك، وستضطرين لترك عملك من أجله، كررت هذه الجملة بتأييد من آخرين ينظرون إلى حركات ابني ويتساءلون: متأكدة أنه ليس مجنونا؟”. وتبين نور، أن دورها كأم من أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة أن تخبر الآخرين عمّا يفضله ابنها وما يجيده، ومن الضروري ألا تزيد الأم من الأعباء التي تقع عليها، أو على ابنها، لأن النتائج دائما ما تكون عكسية، كما أنه ليس من الضروري محاولة جذب أمهات الأطفال النمطيين وتوسلهم اللعب مع أبنائهن. وتشير ميادة أحمد إلى أن اللوم المستمر، يجعل الأمهات يشعرن بأن أمومتهن مجروحة وينتابهن الحزن، لكن في المقابل، فإن الكثير من الأطفال المختلفين تجدهم مميزين وموهوبين وحققوا إنجازات لم يستطع الطفل السليم تحقيقها، كما أن المرأة من الممكن حقا أن تكمل عملها، وتفوقها في حياتها، لو تدخل الأب أو الأقارب لمساعدتها نفسيا وجسديا، لكنهم يريدون منها أن تكون البطل الخارق لوحدها، وهي كذلك”.
مشاركة :