تحديث أساليب الري ينعش أراضي المزارعين في العراق

  • 3/25/2024
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يندفع المزارعون العراقيون إلى البحث عن حلول لمشكلة الجفاف وتأثيرات قلة الموارد المائية بدعم من الحكومة، من خلال اللجوء إلى توسيع استخدام أدوات الري الحديثة في إنتاج المحاصيل التي تستهلك نصف إجمالي الاحتياجات السنوية للبلاد. الأزركية (العراق) – برزت علامات التفاؤل بين العراقيين في سياق مساعيهم لمواجهة الجفاف عبر اعتماد بدائل حديثة في الري لزيادة المحاصيل، وتعويض التأثير السلبي لموجة الحر والخلافات على حصت العراق من نهري دجلة والفرات. ويعاني المزارعون منذ مواسم من أزمة تتمثل في اشتداد الحر وضعف الخطط لتنمية القطاع، حيث أثرا على الإنتاج في بلد يصارع لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء رغم موارده النفطية الهائلة. وفي محاولة لتحقيق مكاسب، استعاد المزارع محمد سامي الأمل بأرض الحنطة التي ورثها عن أجداده وسط البلاد بعد أن كانت راودته فكرة الرحيل، فقد بدأ منذ عامين اعتماد أساليب حديثة بالري باتت ضرورية لتوفير المياه لمواجهة الجفاف غير المسبوق. ويقول الرجل الذي تبلغ مساحة أرضه 10 دونمات في قرية الأزركية بمحافظة الأنبار لوكالة فرانس برس إن “منذ العام 2019 حتى الآن، بدأ شحّ المياه، ولم نعد قادرين على الزراعة”. محمد الخزاعي: سنتخطى الاكتفاء الذاتي من القمح خلال هذا الموسم محمد الخزاعي: سنتخطى الاكتفاء الذاتي من القمح خلال هذا الموسم ويروي المزارع “فكّرنا أن نترك الزراعة لو استمر الوضع على هذه الحال”، إذ “لا يوجد ماء، وأرغمنا على العمل كعمّال مياومين، نقوم بأي شيء في المدينة ونعود”. وبالنسبة لسامي وأمثاله من المزارعين، كانت السنوات الأربع الأخيرة على الأقلّ صعبة، وأصبح الجفاف الذي يواجهه خامس بلد في العالم الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي، ملموسا أكثر من أي وقت مضى، وأثّر على محاصيلهم ومدخولهم. وبالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة ونقص الأمطار، يعزو العراق الجفاف أيضا إلى بناء الجارتين تركيا وإيران سدودا على نهري دجلة والفرات اللذين يرويان حقول البلد. وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد شدد مرارا على أهمية استخدام التقنيات الحديثة في الري لتأثيرها في زيادة المحاصيل وتقليل الهدر في استخدام المياه ومستلزمات الإنتاج من أسمدة وبذور ومبيدات. وتظهر الأرقام أن متوسط المخزون السنوي من المياه بالبلاد يبلغ 60 مليار متر مكعب، فيما يتخطى الاستهلاك نحو 50 مليار متر مكعب معظمها يذهب للزراعة. وبعد معاناة طويلة، تنفست أرض سامي الصعداء في الموسمين الأخيرين، بعد تزويدها برشاشات زراعية في إطار مشروع ينفذ برعاية برنامج الأغذية العالمي. وزاد محصول الحنطة من 5 أو 7 أطنان إلى 12 طنا على الأقل، إذ يظهر الإخضرار واضحا في أرضه، التي تتوسطها الرشاشات، وينمو القمح بوفرة. أما الحقل الموازي الذي يعتمد على الري التقليدي، فنباتات القمح فيه صغيرة وصفراء وأقل نموا. ويقول سامي “ما كنت أسقي به دونما واحدا في الماضي، الآن أسقي به 10 دونمات، فرق كبير”. وتضخّ المياه بضعة أيام في الأسبوع من نهر الفرات إلى بركة مزودة بمضخات وشبكة أنابيب متصلة بالرشاشات التي تروي لاحقا حقل الحنطة. ولا يحتاج ريّ حقل أكثر من ساعتين يوميا وبضعة أيام في الأسبوع، خلافا لطرق الري التقليدية، التي يتم خلالها إغراق الأراضي بالمياه، وهي طريقة لا يزال يعتمدها الكثير من المزارعين. في المقابل، يستهلك الريّ بالرشاشات “نسبة 70 في المئة أقل من المياه”، وفق المسؤولة الميدانية لبرنامج الأغذية العالمي في بغداد خنساء غازي. وقدّم البرنامج في 2023 الدعم لنحو 1119 مزارعا عراقيا، تمّ تزويدهم بأنظمة رشاشات زراعية وأنظمة ري بالتنقيط، “في المناطق الأكثر تأثرا بالتغير المناخي والجفاف”، وفق غازي. وتشرح غازي أن أنظمة الري الحديثة تتيح “الحفاظ على استمرارية إنتاج الزرع خلال فترات شح المياه والجفاف”. وأضافت أن فضلا عن ذلك، تضمن تلك الطرق الحديثة “الزراعة طوال العام”، علاوة على “إنتاجية وحصاد مرتفعين”، كما أنها “تقلّص الاعتماد على الأمطار التي أصبح صعبا التنبؤ بها”. عملية الري بالرشاشات في الحقول تستهلك مياها أقل بمقدار 70 في المئة عملية الري بالرشاشات في الحقول تستهلك مياها أقل بمقدار 70 في المئة وفي بلد غنيّ بالنفط، لكن بنيته التحتية متهالكة جراء عقود من الحروب والنزاعات والإهمال، تقلّص الإنتاج الزراعي بسبب نقص مياه دجلة والفرات، فضلا عن قلة الأمطار، بنسبة 36 في المئة على الأقلّ في موسم 2021 و2022. وقياس هذا التراجع الذي رصده برنامج الأغذية العالمي كان بالمقارنة مع الموسم الزراعي بين عامي 2020 و2021. لكن غازي تشدّد على أنه “في حين أن أنظمة الري الحديثة قادرة على أن تحسّن بشكل كبير من كفاءة استخدام المياه والممارسات الزراعية في العراق، لكنها قد لا تكون كافية وحدها لمعالجة مشكلة الجفاف المعقدة”. وتتحدّث عن “ضرورة وضع إستراتيجيات أوسع نطاقا لإدارة المياه” في البلد البالغ عدد سكانه 43 مليون نسمة. وأرغم الجفاف ونقص الأمطار الدولة على تقنين استخدام المياه وتقليص الأراضي الزراعية لتوفير ماء الاستخدام اليومي للسكان لاسيما خلال الصيف. مع ذلك، يتطلّع العراق إلى حصاد ستة ملايين طن من الحنطة في 2024، كما يؤكد المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي، ما يعني تخطي الاكتفاء الذاتي والكميات المحققة في الموسم السابق. وتعمل الوزارة أيضا على دعم المزارعين للتحوّل نحو طرق الري الحديثة. وتوزع رشاشات من خلال أقساط تمتد على عشر سنوات، على أن تدفع الوزارة 30 في المئة من سعرها الذي يبلغ متوسّطه نحو 40 ألف دولار لأرض بمساحة 60 دونما. وقال الخزاعي “حينما لاحظ الفلاح أن هناك مشكلة بالمياه تغيرت ثقافته باتجاه التحول باعتباره خيارا لا بديل عنه، لمعالجة الشح المائي ولاستمرارية نشاطه”. ويتابع “في البداية، كانت هناك صعوبة في قبول التحوّل نحو طرق الري الحديثة لأن العراق بلد النهرين، وحضارته زراعية بشكل أساسي”. ويضيف أن “المشاكل المتعلقة بالجفاف، هي مشاكل حديثة. فالعراق لسنوات وعقود كان يعاني من الفيضان وليس الجفاف”. وتستغل المزارعة سعاد مهدي من قرية الأزركية الوفرة التي أوجدها استخدام الرشاشات الزراعية، وتنتج من أرضها الآن “ضعف المحصول”. وتقول “في الماضي، كان يستغرق السقي يومين أو يومين ونصف اليوم”، مضيفة “كنا نبقى في الصيف تحت الشمس طوال اليوم، أما الآن فلا”. وتزرع مهدي في الشتاء القمح والشعير، وفي الصيف الطماطم والباذنجان والبامية والذرة. وتتابع “نملأ الحوض ونسقي بالمرشة، لا يستغرق الأمر أكثر من ساعتين”.

مشاركة :