وتجري بروكسل حواراً منذ أشهر مع شركات الإنترنت الأميركية الثلاثة العملاقة حول خطتها للامتثال للقواعد التي دخلت حيز التنفيذ في بداية آذار/مارس. فبعد سنوات من الاتهامات الموجهة لهذه المجموعات العملاقة بإساءة استخدام موقعها المهمين، من دون أي نتيجة على أرض الواقع بسبب عدم وجود تشريعات رادعة بالقدر الكافي، تأمل السلطة التنفيذية الأوروبية أن توفر القواعد الجديدة سلاحاً قانونياً يخوّلها التصدي للانتهاكات. وقال المفوض الأوروبي للشؤون الرقمية تييري بروتون الاثنين "يمكننا أن نرى بالفعل تغييرات في السوق. لكننا لسنا مقتنعين بأن الحلول التي اقترحتها ألفابت وآبل وميتا تفي بالتزاماتها". وسارعت "سي سي آي إيه"، وهي من أبرز مجموعات الضغط الداعمة لقطاع التكنولوجيا وتضم بين أعضائها المجموعات العملاقة الثلاث، إلى التنديد بالإجراءات الجديدة. وقال رئيس المجموعة بفرعها الأوروبي دانييل فريدلاندر "إن توقيت هذه الإعلانات، في حين أن ورش عمل الامتثال لقانون الأسواق الرقمية لا تزال مستمرة، يجعل الأمر يبدو وكأن المفوضية تنتهج خيار التصعيد الأقصى". وأضاف فريدلاندر "كما نعلم جميعاً، يستغرق جمع البيانات وقتاً. لكن ما نراه الآن يبعث بإشارة مقلقة مفادها أن الاتحاد الأوروبي قد يسارع إلى إجراء التحقيقات من دون معرفة ما يحققون فيه". "القرار لنا" وردت مفوضة شؤون المنافسة في الاتحاد الأوروبي مارغريت فيستاغر على "سي سي اي ايه"، قائلة للصحافيين في بروكسل "نولي أهمية لآراء أصحاب المصلحة. ولكن بالطبع الأمر متروك لنا لاتخاذ القرار بشأن فتح القضايا ولإثبات أن هناك خطأ ما هنا". وأضافت "بالتأكيد، لا أرى أن الأمر اتُّخذ على عجلة. بل أعتبر أنه جاء في الوقت المناسب للغاية، بما يعكس الوعود المقطوعة والقانون الذي أقر". ويرغب الاتحاد الأوروبي في فتح الأسواق الرقمية على المنافسة التامة، وحماية ظهور الشركات الناشئة في أوروبا ونموها وتحسين الاختيارات المتاحة للمستخدمين. وتتناول الإجراءات المعلنة مواضع انتقادات معروفة، تأمل السلطة التنفيذية الأوروبية الانتهاء منها خلال فترة أقصاها 12 شهرا. وتفتح المفوضية بذلك تحقيقاً يطال مجموعة ألفابت، المشتبه في استغلالها الحالة شبه الاحتكارية التي يمارسها محرك البحث التابع لشبكة غوغل لدعم خدمات المجموعة من خلال عرض المراجع التابعة لها بشكل أوضح على حساب المنافسين في عمليات البحث عن الفنادق، أو تذاكر السفر أو غيرها من السلع الاستهلاكية المباعة عبر الإنترنت. وسبق أن فرضت غرامة على غوغل بقيمة 2,4 مليار يورو في عام 2017 للسبب عينه. لكن الخطوات التي اتخذتها المجموعة العملاقة لم تكن مُرضية بنظر المفوضية الأوروبية. وتواجه ألفابت وآبل أيضاً إجراءات مرتبطة بالقيود التي تفرضانها على متجريهما للتطبيقات ("غوغل بلاي" و"آبل ستور"). وبحسب المفوضية، فإن كلتا المجموعتين "تَحدّان من قدرة المطورين على التواصل بحرية والترويج لعروضهم وإبرام عقود بصورة مباشرة" مع المستخدمين النهائيين، "خصوصاً من خلال فرض رسوم مختلفة". وفي هذا الصدد، فرضت المفوضية غرامة قدرها 1,8 مليار يورو على آبل في مطلع آذار/مارس، بعد فتح تحقيق في حزيران/يونيو 2020 إثر شكوى من منصة الموسيقى بالبث التدفقي سبوتيفاي. أبل تحت الضغط في الولايات المتحدة كذلك، رفعت الحكومة الأميركية الخميس دعوى قضائية ضد شركة أبل بتهمة الاحتكار على خلفية القيود المفروضة من المجموعة التي تتخذ مقراً لها في كاليفورنيا على مطوري التطبيقات. وأطلقت المفوضية الأوروبية إجراءً آخر ضد آبل بسبب انتهاك مفترض للالتزام بتزويد المستخدمين طريقة لإلغاء تثبيت التطبيقات الافتراضية بسهولة على نظام التشغيل "آي او اس" iOS على هواتف "آي فون". وأبدت المفوضية خصوصاً قلقها من أن "تصميم شاشة اختيار متصفح الإنترنت يمنع المستخدمين من ممارسة حرية الاختيار حقاً" لبديل عن المتفصح "سفاري" Safari. وتستهدف المفوضية أيضاً مجموعة ميتا الأميركية العملاقة بتهمة خرق القاعدة التي تتطلب منها طلب موافقة المستخدم حتى تتمكن من دمج بيانات شخصية متأتية من خدماتها المختلفة لأغراض ملفات تعريف الإعلانات. للامتثال لهذا الطلب، قدمت ميتا لمستخدمي فيسبوك وإنستغرام اشتراكاً مدفوعاً يسمح لهم بتجنب استهدافهم بالإعلانات. لكنّ المستخدمين الراغبين في الإبقاء على حساباتهم في الخدمة المجانية يجب أن يوافقوا على تسليم بياناتهم الشخصية. وتعتقد المفوضية الأوروبية أن "الاختيار الثنائي الذي يفرضه نموذج ميتا + الدفع أو الموافقة + لا يقدّم بديلاً حقيقياً للمستخدمين الذين لا يمنحون موافقتهم". وستجمع المفوضية أيضاً معلومات حول النظام الذي تعتمده مجموعة أمازون لعرض المنتجات عبر منصاتها، خشية أن ينطوي على تفضيل للعلامات التجارية التابعة لها في القوائم على منصتها للتجارة الإلكترونية. وستنظر أيضاً في نظام التسعير الجديد لشركة آبل الذي قد ينتهك التزامها السماح بتحميل تطبيقات من المتاجر البديلة إلى متجر التطبيقات الخاص بها. ومن خلال قانون الأسواق الرقمية، تعتزم المفوضية التصرف بشكل أسرع وأقوى للتصدي لحالات استغلال المركز المهيمن، وذلك بفضل التزامات ومحظورات محددة مسبقاً. وتنص القواعد الجديدة على غرامات تصل إلى 20% من حجم التداول العالمي في حالة الانتهاك الخطر والمتكرر (مقارنة بـ 10% حتى الآن). كذلك، منحت المفوضية الأوروبية نفسها القدرة على حلّ الشركات المخالفة، وهو سلاح رادع يمكن استخدامه كملاذ أخير.
مشاركة :