السينما الخليجية تقدم الخلطة «البوليودية» بنكهة عربية

  • 1/8/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

حَمل عام 2013 الكثير من المفاجآت القيمة للفن السابع في الخليج، وتنوعت تلك المفاجآت باختلاف المكان والرؤية الفنية، ما بين فيلم أحدث دوياً أو مهرجان فني وضع علامة فارقة، ومن ورائهم مخرج مبدع وفنان قدم أرقى ما عنده ليكون العمل وقت عرضه منظومة متكاملة راقية وهادفة. هذا ما يرجوه ويطمح إليه غالبية السينمائيين الباحثين عن التميز لا تغليب المادة على حساب الجمهور الذي لم يعد قادرا على الاستمرار والصمود أمام أفراد تحاول أو حاولت بالفعل تشويه الوجه الحقيقي للفن السابع ورسالته في معالجة القضايا قبل وبعد حدوثها من منطلق الإبداع. وفي دول الخليج كانت هناك دوافع عند الغالبية العظمى من القائمين على هذه الصناعة للنهوض وتقديم الأفضل بين الحين والآخر لاجتذاب الجمهور العريض المتشوق والباحث عن الفن المتميز في الوطن العربي. حضور لافت لفنانين خليجيين في المهرجانات السينمائية. مهرجان دبي قدم وجبة حقيقية من الأفلام الخليجية وتنافس فيه الكثير من الأفلام السينمائية. من الطبيعي عند الحديث عن السينما الخليجية أن تتصدر المخرجة السعودية هيفاء المنصور التي قدمت فيلم "وجدة"، الحوار الذي لامس المجتمع السعودي وقدم وجبة خفيفة نالت رضا واستحسان كل من شاهد الفيلم، حتى أنه نافس وبقوة في مهرجانات عربية وعالمية وجعل اسم السعودية يرتبط بالفن السابع قلبا وقالبا، بعد فوزه بأفضل فيلم عربي في مهرجان دبي السينمائي الدولي. ووسط هذا النجاح نجد من يشككون في الفيلم ونجاحه، مدعين أن عوامل أخرى بعيدا عن الرؤية والمنطق السينمائي أدت إلى عدم اجتذاب الجمهور له، وأن قصته غير مرضية والسبب الأول في وصولة للمهرجانات كونه أول فيلم يصور بالكامل في السعودية، ولا بد أن يكون هناك احتفاء حقيقي به، وهؤلاء المشككون وجدوا في المقابل من يحتفي ويناضل بسلام حتى يخرج الفيلم للعامة ويحقق قفزات، وبين هذا وذاك يظل فيلم "وجدة" مثالاً نموذجياً في مسألة التعاطي مع السينما الخليجية باعتبار أنها سينما وليدة ويجب مساندتها وهي تخطو خطواتها الأولى في فترة تحتاج فيها للرعاية وغض النظر عن بعض هفواتها. وبعد "وجدة" وحالته الخاصة وجدنا تجارب رائدة نافست وبقوة هي الأخرى في السينما الخليجية عموماً وتجرأت وأنجزت أفلاماً روائية طويلة في مغامرة لخوض تجربة احتمال أن تنجح وتجد من يساندها واحتمال أيضاً أن تجد من يقف لها بالمرصاد وتخرج من الذاكرة دون أي إطراءات تشجع منتجها ليحاول أن يدخل في تجربة أخرى أكبر تعود على الفن السابع بمكاسب. ولعل أبرز تلك التجارب التي عبر عنها المخرج مجيد عبد الرزاق في فيلم "بني آدم" في متابعته لمسيرة خاصة كان قد بدأها قبل سنوات وقدم خلطة في أفلامه أثارت الدهشة والتجاوب مع تجاربه التي حاول من خلالها تقديم الخلطة البوليودية في أفلام عربية، فيما جاء المخرج الإماراتي جمال سالم بفيلمه "حب ملكي"، والسعودي سمير عارف وفيلمه "صدى"، والكويتي طارق الزامل الذي قدم سيناريو فيلم "مزرعة يدو" ليظهروا مدى الاحترافية التقنية ما بين التخطيط والارتجال الوقتي. تلك الأفلام التي تحاول النهوض بصناعة تُبنى عليها اقتصاديات دول في كثير من الأحيان لما لها من مكسب حقيقي يؤثر بدوره على الحالة الاقتصادية، فهذه الأفلام الروائية الطويلة الخليجية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نضعها في سلة واحدة، لأنها لا بد أن تصنف حسب حالتها وتعاطيها ودخولها إلى مناطق لم تكن متاحة من قبل، كل هذه التصنيفات هي المسؤولة عن وضع الفيلم وما مدى تأثيره في الحراك الفني على كل الأصعدة، والأهم أن تلك الأفلام نافست ووصلت إلى المهرجانات العربية والعالمية، الأمر الذي يؤثر بالإيجاب على اتجاه الفيلم وعرضه فيما بعد. فالفيلم الذي وصل ونافس وحاز جوائز بعد اجتيازه للعديد من الاختبارات لا بد أن يكون له مرتبة وتقدير وتصنيف آخر، في نفس الوقت لن نهضم حق الأفلام الأخرى بل على العكس التشجيع والمثابرة هي التي ستجعل من تجربة بسيطة لم تنل حظها النهوض والمحاولة في المرات المقبلة بشرط البعد عن السذاجة في البناء الفني والتقني وتقديم قصة تحاكي الواقع وقبل كل هذا عقل المشاهد وهو ما يفترض أن تكون السينما الخليجية اجتازته من سنوات. الفيلم الحقيقي ذو القصة المحورية التي تقدم الرؤية الفنية من عدة جوانب سلبية كانت أو إيجابية لا بد له من نافذة تقدمه بشكل لائق وتلك النافذة ليست بالشيء الهين، خصوصاً إذا تقدم لها أعمال بدون اشتراطات تليق بها، إنها النافذة التي ترى العديد من الأفلام النور من خلالها، وهي المهرجانات العربية والعالمية السينمائية التي تبحث عن الأفضل في مسيرتها حتى تتوج عاما بعد عام وتكون على رأس النوافذ الفنية كافة. ولعل أبرز تلك المهرجانات كان مهرجان دبي الذي قدم وجبة حقيقية من الأفلام الخليجية في دورته العاشرة ونافس فيه الكثير من الأفلام السينمائية، ومهرجان مسقط السينمائي، والأهم هو مهرجان الخليج في دورته السادسة، الذي عرض الكثير من الأفلام الروائية الطويلة التي حازت استحسان الجمهور، في المقابل وجدنا أن الأفلام القصيرة لم يكن لها جمهور وهذه ما دعا للتساؤل حينها: هل الأفلام الروائية الطويلة باتت في القوة التي تنافس وتجذب وتُجنب أفلام أخرى، المهم أنها أفلام خليجية حاولت ونجحت أيا كان تصنيفها، فهي تناولت واقعا ورؤية فنية عميقة وأشكالا سردية تبشر بالخير بدءًا من فيلم سكراب للمخرج السعودي بدر الحمود، وفيلم الطريق للمخرجين الإماراتيين عبد الله الجنيبي وحميد العوضي، والمخرج السعودي فيصل العتيبي وفيلمه الزواج الكبير الذي نال شهادة تقدير من مهرجان مالمو للفيلم العربي. ووسط العديد من التجارب السينمائية التي تبشر بجيل سينمائي واع مع بعض التحفظات، كان هناك تجارب نسائية أقدمت على خوض التجربة من باب تقديم الأفضل والأشمل، وممن بينهم المخرجة السعودية عهد كامل التي قدمت فيلم "حرمة"، والمخرجة الإماراتية نجوم الغانم التي احتفظت دوما بحضور متألق ومتجدد في فيلمها الجديد "أحمر أزرق أصفر". ومن هنا يمكننا القول: إن المحاولة والنهوض بالسينما الخليجية لا بد أن تكون من جميع الأطراف، والأهم هو الدعم الذي ينادي به الكثير من الفنانين لكي يكون هناك إنتاجيات حقيقية تنافس بقوة وتدخل المعترك السينمائي من أوسع أبوابه، لأن الكثير مما نراه من إنتاجيات ربما يندرج تحت بند المتواضع ومع ذلك يحقق نجاحا، فما بالكم بالدعم حينها سنرى سينما شابة يافعة وسنُنحي حينها كلمة وليدة. وبعد أن أصدر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت كتابا جديدا بعنوان "السينما في دول مجلس التعاون الخليجي" تضمن ستة فصول تناقش مواضيع عدة مرتبطة بالفن السابع في الدول الخليجية، إضافة إلى ملحق يتضمن بيانات وأرقاما تؤرخ لمسيرة السينما وتطوراتها. وجاء في مقدمة الكتاب أن هناك معلومات قليلة جدا تتناول الواقع السينمائي في الخليج رغم وجود الكثير من الكتّاب الذين يصورون فنيا الأفكار والأحداث، كما أن هناك مبدعين قادرين على تحويل المكتوب إلى مرئي لا ينقصه الجمال والقدرة على التأثير، مضيفا أنه لما كان الخليج ليس حقبة تاريخية منعزلة أو قابلة للانعزال فإن مشكلات السينما العربية تصب في الخليج والعكس صحيح. وتأتي أهمية الكتاب باعتباره أول توثيق حقيقي لواقع السينما في منطقة الخليج العربي، التي عاش فيها معدّ الكتاب طويلاً وهو الناقد عماد النويري مدير نادي الكويت للسينما، الذي حضر العديد من الملتقيات والمهرجانات السينمائية الخليجية كمتابع ومشارك وعضو لجان تحكيم، ومن هنا ووسط كل المحاولات الإيجابية المهمة على الساحة السينمائية نؤكد أن السينما الخليجية شاشة واحدة وهموم متعددة قادمة وبقوة.

مشاركة :