في محاولة لرفض الواقع الجديد الذي فرض عليهم بسبب الحرب، تصر عائلة نضال أبو بركة من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة على تناول إفطارها اليومي بشهر رمضان فوق أنقاض منزلها المدمر. ويقول أبو بركة (55 عاما)، وهو أب لثمانية أبناء، لوكالة أنباء ((شينخوا)) بينما كان يساعد زوجته في طهي قدر من الأرز على الحطب "لا أذكر أنني غبت عن بيتي يوما واحدا في شهر رمضان المبارك حيث أنني أستمتع بطقوسه مع عائلتي". لذلك، يضيف أبو بركة، "أصريت أن أتجمع أنا وعائلتي على مائدة الإفطار المتواضعة فوق أنقاض منزلي (..) لن أسمح لأي ظرف كان بأن يحرمني الحق في الاجتماع مع عائلتي وقضاء أوقات رمضان حتى في مثل هذه الظروف غير الطبيعية". وبدأ شهر رمضان في 11 مارس الجاري وسط خيبة أمل مُني بها الفلسطينيون بسبب عدم توصل كل من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل إلى صفقة لوقف إطلاق نار مؤقت. وتشن إسرائيل حربا واسعة النطاق ضد حماس في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي عقب تنفيذ الحركة هجوما مباغتا على البلدات الإسرائيلية المحاذية للقطاع وقتل ما يقارب 1200 شخص وأسر آخرين. ومنذ ذلك الوقت، تواصل إسرائيل شن هجماتها البرية والجوية والبحرية على القطاع، الذي يعاني أصلا من تبعات الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ عام 2007. وحتى الآن، قتل 31988 فلسطينيا وأصيب 74188 آخرون، بحسب وزارة الصحة التي تديرها حماس في قطاع غزة. ويقول أبو بركة "بسبب كل هذه المآسي، فقدنا كل شيء له علاقة بطقوس رمضان، فلم تعد أطباق الطعام المتنوعة والحلويات المختلفة تجد لها مكانا على موائدنا، ولم تعد الفوانيس والأضواء الجميلة تزين منازلنا ولم نعد نمتلك الوقت لتبادل الزيارات مع أقاربنا وأحبابنا فالجميع منشغل بهمومه اليومية". بدلا من ذلك، يشرح الرجل ذو الملامح المرهقة، "أصبحنا نهتم بإيجاد الحد الأدنى من الطعام للبقاء على قيد الحياة فقط لا غير (...) ولكن حتى هذا الأمر ليس هينا بالنسبة لجميع الفلسطينيين في القطاع". ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لعائلة أبو حسام رمضان من شمال قطاع غزة الذي أصبحت تقتصر مائدته على بضعة أطباق صغيرة من الطعام غالبيتها تم إعدادها من المعلبات الجاهزة لكسر الصيام يوميا. ويقول أبو حسام (54 عاما) وهو أب لاثنين إن جميع الطقوس الرمضانية غابت عن عائلته هذا العام خاصة "وأننا نزحنا من منزلنا في بلدة بيت لاهيا إلى خيمة أقمناها في رفح أقصى جنوب القطاع". ويضيف الرجل بينما كان يوقد النار لتسخين علبة فول لإعدادها "خلال الأعوام السابقة، اعتدنا طهي أشهى الأطباق في رمضان كنوع من الطقوس الروتينية الاحتفالية لهذا الشهر المبارك". لكن الأحوال تبدلت تماما هذا العام، يشتكي أبو حسام، "فحتى هذا اليوم، لم أتمكن من شراء الدجاج ولا أي نوع من اللحوم (سواء الطازجة أو المجمدة) بسبب غلائها غير المعقول ولعدم امتلاكي الأموال اللازمة لذلك". وهذا ما يجعل أبو حسام في صراع "حقيقي" يوميا للحصول على الحد الأدنى من الطعام لعائلته، مما يجبرهم في كثير من الأحيان على الاعتماد على بعض الأطعمة المعلبة، والتي تحتوي على مواد حافظة تضر بصحة الإنسان، على حد تعبيره. أما سميحة الأيوبي، وهي فلسطينية نازحة من مدينة غزة إلى رفح، فهي تقضي غالبية وقتها في التنقل بين أفران الطين المنتشرة بين الخيام لحجز دورها لخبز العجين الذي أعدته مسبقا. وما إن تعود إلى خيمتها التي تؤوي 15 فردا من عائلتها حتى تبدأ بتحضير الطعام بما توفر لديها من معلبات أو خضار من خلال الطهي على الحطب. وتقول سميحة "أحيانا نعتمد على المعلبات فقط أو أطبخ العدس (..) ولكن في أحيان أخرى يقتصر إفطارنا على إعداد ساندويتشات من الجبن المعلب فقط لا غير". وتتابع "للأسف الشديد نحن أصبحنا نصارع من أجل البقاء فقط دون الشعور أو الاستمتاع بأي من طقوس رمضان التي اعتدنا عليها.. في هذا العام غابت عن مائدتنا جميع الأطباق الشهية بما فيها الشوربة والحلويات". وما يزيد الطين بلة بالنسبة لها هي التهديدات الإسرائيلية المستمرة لاجتياح المدينة التي تؤوي أكثر من مليون و500 ألف فلسطيني. وتقول سميحة "أنا لا أشعر بأننا نعيش أجواء رمضان كما ينبغي (...) نحن مهددون بأي لحظة بالرحيل مرة أخرى ولا يمكننا أن نتوقع ما الذي سيحدث معنا خلال الساعات أو حتى الأيام المقبلة". وتشتكي السيدة الفلسطينية من أنه بسبب الحرب والفقر وغلاء الأسعار تحول رمضان بالنسبة لسكان غزة من وقت للعبادة والإحسان والصيام، إلى صراع يومي من أجل البقاء، وسط أنقاض المباني والمنازل وتحت القصف الإسرائيلي. ويأتي شهر رمضان هذا العام أيضا في الوقت الذي فقد فيه العديد من سكان غزة كل شيء ويقترب القطاع من المجاعة، كما يقول مسؤولو الأمم المتحدة. وبحسب وزارة الصحة في غزة، فإن نحو 27 فلسطينيا ماتوا بسبب سوء التغذية والجفاف، متهمة إسرائيل بالتعمد في تجويع الفلسطينيين. وحذرت منظمات ومؤسسات أممية من أن استمرار إسرائيل بفرض قيود مشددة على دخول المساعدات إلى قطاع غزة سيؤدي إلى انتشار المجاعة بشكل كبير بين جميع سكان القطاع. وطالبت المنظمات الأممية إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات عبر المعابر البرية وإيصالها إلى جميع السكان دون استثناء. ■
مشاركة :