وقد جاء الإعلان عن إطلاق هذه الجولة الجديدة من المفاوضات، عقب مباحثات مكوكية قام بها المبعوث الأممي الخاص لليمن إسماعيل ولد الشيخ، متنقلاً بين الرياض وصنعاء والكويت ومسقط، أسفرت عن إبلاغه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بقبول الجماعة الحوثية، بقرار مجلس الأمن رقم 2216، والتي ظلت تراوغ بشأن التعاطي معه خلال الأشهر الماضية، متكئة على ما كانت تعتبره أوراق قوة في ظل سيطرتها على أغلب المحافظات والمناطق، مع رهانها على حليفها الاستراتيجي إيران فضلاً عن حليفها في الداخل علي عبدالله صالح، الذي تدين بالولاء له بعض كتائب الحرس الجمهوري ووحدات من الجيش التي يغدق عليها من الأموال التي نهبها من ثروة الوطن والشعب، على مدى ثلاثين عاماً من تربعه على عرش السلطة في اليمن. 5 نقاط رئيسية وتركز الجولة على بحث خمس نقاط رئيسية هي الانسحاب، وتسليم السلاح، والترتيبات الأمنية، والحل السياسي والذي يشمل استعادة الدولة لسيطرتها على جميع مؤسساتها، إلى جانب استئناف الحوار السياسي في البلاد. وأخيراً إنشاء لجنة لإطلاق سراح السجناء والأسرى واللافت أنه تم الاتفاق على أن يبدأ وقف إطلاق النار في العاشر من إبريل أي قبل الانخراط في العملية التفاوضية بثمانية أيام، ما يؤشر إلى الرغبة في توفير بيئة مواتية لانطلاق هذه العملية بمنأى عن أصوات المدافع وأزيز الطائرات، وذلك بعد أن عجزت الاتفاقيات السابقة عن الصمود في وجه الاختراقات خاصة من قبل الانقلابيين الذين كانوا يراهنون على عامل القوة العسكرية التي بأيديهم، فنفضوا أيديهم من كل ما تم إبرامه مع الحكومة الشرعية، بل لم يتجاوبوا مع الخطوات التي تم التوافق عليها بشأن إبداء الثقة، ما أدى إلى تعثر محاولات التفاوض السابقة. صحيح، لا يمكن المراهنة على قيام الجماعة الحوثية وحليفها صالح بتنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها للمبعوث الأممي، بيد أن هذه المرة لم تعد معها القوة العسكرية أو الدعم اللوجستي الذي من شأنه أن يوفر لها الإمكانية على المضي قدماً في مشروعهم الانقلابي، ومن ثم لم يعد أمام هذه المجموعة الانقلابية سوى خيار القبول بالتفاوض والذي يرجعه اللواء طيار أركان حرب هشام حلبي، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية في حديث ل الخليج إلى تقلص إمكانات هذه الجماعة المتمردة، فضلاً عن غياب الدعم الخارجي، وهو ما يدفع أي جماعة إرهابية للرضوخ في نهاية الأمر للمفاوضات، فلو استمرت الحرب فستؤدي إلى المزيد من خسارتها سواء على مستوى عناصرها وأفرادها أو على مستوى تسليحها وقدراتها القتالية. جماعة إرهابية ولدى سؤاله عن استمرار هذه الجماعة في القتال في بعض الجيوب والمناطق خاصة القريبة من العاصمة يعلق بقوله: هذا طبيعي من قبل جماعة إرهابية لا يمكن إخضاع كل عناصرها للسيطرة من قيادة مركزية، فهي ليست جيشاً نظامياً وإنما مجموعات من الميليشيات المنتشرة في مساحات من الأراضي، فضلاً عن الرغبة من قيادات هذه الجماعة في الحصول على أي مكاسب عسكرية للاتكاء عليها في المساومات السياسية أثناء العملية التفاوضية غير مدركين أنهم خسروا الكثير خلال العام الفائت. ويعرب اللواء الحلبي عن قناعته بأن الضربات الجوية التي قام بها طيران التحالف العربي على مدى العام المنصرم، والذي استهدف المراكز العسكرية الاستراتيجية ومواقع تخزين الأسلحة والصواريخ التابعة للحوثيين وصالح، أسهمت في تقليص القدرات القتالية لهذه المجموعة أو الجماعة الإرهابية، الأمر الذي دفعها، بعد كل الخسائر التي لحقت بها سواء على مستوى الأفراد أو المعدات أو السلاح، إلى القبول بقرار مجلس الأمن رقم 2216 والذي يتضمن خريطة طريق لإعادة الشرعية وسيطرتها على مفاصل الدولة من خلال انسحاب ميليشيات الحوثيين وصالح من المدن التي ما زالت بقبضتهم وتسليمهم الأسلحة الثقيلة التي نهبوها من معسكرات الجيش الوطني، فضلاً عن الإفراج عن المعتقلين. يضاف إلى ذلك التدخل البري المباشر من قبل قوات دول التحالف وفي مقدمتها القوات الإماراتية والسعودية، إلى جانب قوات من البحرين وقطر والسودان والتي شاركت في معارك تحرير المحافظات الجنوبية ثم الشمالية واقترابها من تخوم صنعاء، ما شكل عاملاً بالغ الأهمية في إقناع القيادات العليا للمتمردين بالقبول بخيار التفاوض بصورة تبدو جدية هذه المرة، بعد أن كانوا يقبلونه على مضض في المرات السابقة، إلى جانب ذلك فإن الحصار الجوي والبحري الذي نفذه التحالف العربي على اليمن بصورة محكمة، قطع طريق الإمدادات الخارجية التي كانت تأتيهم من إيران، التي حاولت عبر وسائل ملتوية عديدة أن تواصل تزويد حلفائها ببعض متطلباتهم اللوجستية، الأمر الذي أسهم في خفض معنوياتهم بشدة. المربع التفاوضي وحول توقعاته لجولة مفاوضات الكويت يقول المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا إن أهميتها تكمن بالدرجة الأولى في نقل الأزمة من المربع العسكري إلى المربع التفاوضي والأخير لن يكون سهلاً بل سيستغرق وقتاً طويلاً، نتيجة تشرذم المجموعات الإرهابية وعدم التزامها بمعايير الشرف العسكري أو الالتزام السياسي، ولكنه كما يؤكد هو أفضل حالاً من المربع العسكري الذي يعني المزيد من الدماء والضحايا وكلهم من اليمنيين. وعمّا إذا كان يرى أن عودة الشرعية بالكامل إلى اليمن تشكل ضربة قوية للمشروع الإيراني في المنطقة العربية؟، فيجيب اللواء الحلبي: سيكون ضربة لهذا المشروع في جزء من المنطقة، فما زالت إيران تمرح عسكرياً وسياسياً في كل من العراق وسوريا ولبنان، وهو ما اعترف به أحد كبار مسؤوليها عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء عبر تأكيده أن رابع عاصمة عربية باتت خاضعة لقبضة بلاده، غير أن إجهاض هذا المشروع في اليمن له مذاق خاص في هذه المرحلة، لاسيما أن إيران كانت تستهدف من وراء دعمها للحوثيين في اليمن الوصول إلى باب المندب، مع ما يمثله هذا المضيق من أهمية على صعيد الأمن القومي العربي، فضلاً عن أمن الجزيرة العربية والبحر الأحمر، وبالتالي فإن هذه العودة عبر الإنجاز العسكري النوعي، أو عبر المفاوضات ستقطع ذراع إيران في هذا الجزء المهم والاستراتيجي من الوطن العربي. ترحيب عربي وقد حظي الإعلان عن هذه الجولة الجديدة من المفاوضات بين الأطراف اليمنية بترحيب واسع من قبل الجامعة العربية سواء على لسان أمينها العام، نبيل العربي، أو نائبه السفير أحمد بن حلي، الذي يقول ل الخليج إنه بمجرد إبلاغ الأمين العام بهذه الجولة في الاتصال الهاتفي بينه وبين الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي، أو من قبل إسماعيل ولد الشيخ أحمد المبعوث الخاص للأمم المتحدة، بدا واضحاً أن ثمة عملية تفاوضية جادة وحقيقية قادمة، خاصة أنه سيسبقها وقف الأعمال العدائية بين الأطراف المتقاتلة بداية من العاشر من شهر إبريل ما يسهم في خلق المناخ اللازم لبناء الثقة والأجواء الأكثر أريحية مما سبق، فضلاً عن تزامنها مع إدخال المساعدات الإنسانية، وهو موضوع بحد ذاته من الأهمية بمكان، خاصة أن كل التقارير تؤكد أن المتضررين في مناطق القتال يعانون أشد أشكال المعاناة وبشكل خطر لاسيما مع استمرار ميليشيات الحوثي وقوات في حجب المساعدات عن بعض المدن خلال الفترة الماضية، بل وقيامها بالاستحواذ على هذه المساعدات، وعدم توزيعها على من يستحقها من المدنيين، وهو ما بات يستوجب الإسراع من قبل كافة الأطراف، وفي مقدمتهم الانقلابيون لتسهيل إدخال المساعدات للمناطق المحاصرة، من قبل الحوثيين وأنصارهم، مشيداً في هذا السياق بإعلان قيادة التحالف العربي عن أنها ستقوم بتوفير كل الإمكانات اللازمة سواء في ما يتعلق باحترام اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنت عنه الحكومة الشرعية، أو على صعيد إدخال المساعدات الإنسانية التي ستقدمها المنظمات التابعة للأمم المتحدة. المرجعيات الرئيسية ويراهن بن حلي على محورية الدور الذي ستلعبه الدبلوماسية الكويتية في احتضانها لجولة المفاوضات الجديدة قائلاً: إن هذا الاحتضان ينطوي في حد ذاته على بعد إيجابي فمعروف أن الأشقاء في الكويت، وعلى رأسهم الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، داعمون لكل ما من شأنه أن يدعم المصلحة العربية، ورأب الصدع في إطار الوطن العربي، وهو ما يشكل عاملاً مبشراً بإنهاء الأزمة اليمنية التي طالت، ثم استعادة الشرعية والوفاق والأمن والاستقرار في هذا البلد العربي ذي الأهمية الاستراتيجية، خاصة أن المفاوضات المرتقبة وفقاً لما هو مخطط لها ستنطلق من المرجعيات الرئيسية والمتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة خاصة القرار رقم 2216 في إطار المحافظة على ثوابت القضية اليمنية المتمثلة في المحافظة على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية أو فرض أي أمر واقع بالقوة، وهو ما أكدت عليه أيضاً قرارات القمم العربية السابقة والمرجعيات الدولية ذات الصلة. ويدعو نائب الأمين العام للجامعة العربية إلى ضرورة أن يترافق تنفيذ قرار وقف إطلاق النار مع عملية تبادل واسعة للأسرى، الأمر الذي من شأنه أن يوفر ديناميكية لإنجاح العملية التفاوضية، والتي سيكون كل المشاركين فيها رابحين باعتبارهم ينتمون إلى الوطن اليمني ومعنيين بأهمية المحافظة عليه من خلال الحرص على وقف المزيد من سفك الدماء، الأمر الذي سيكون عاملاً مهماً لتحقيق الاستقرار الإقليمي المطلوب. وأود والكلام ل بن حلي، أن يستفيد اليمنيون من منظومة مجلس التعاون الخليجي التي وقفت بكل إمكاناتها العسكرية والسياسية والمالية مع دولتهم وإعادة الشرعية إليها، على نحو قطع الطريق أمام الأطراف الخارجية التي سعت إلى محاولة العبث بأمن اليمن ثم بأمن المنطقة. فشل محاولة اختطاف الدولة وأسأل محدثنا عن رؤيته للأسباب التي دفعت الانقلابيين إلى القبول بخيار التفاوض فيعلق بقوله: لقد أدركوا أن محاولتهم اختطاف الدولة اليمنية والسيطرة عليها غير ممكنة، وباءت بالفشل على الرغم من لجوئهم إلى خيار القوة العسكرية المفرطة لتحقيق هذا الهدف، عبر تجييش الميليشيات والتحالف مع قوات الرئيس المعزول علي عبدالله صالح، وفتح أبواب اليمن للنفوذ الإيراني، وهذا الموقف تبلور بالتأكيد في ضوء الموقف الحاسم للتحالف العسكري العربي بقيادة السعودية والمشاركة النشطة من الإمارات وغيرهما من أعضاء التحالف سواء عبر عملية عاصفة الحزم ثم عملية إعادة الأمل، ومن ثم بات الانقلابيون على قناعة بأن ليس من مصلحتهم كمكون من مكونات البلاد أن يظلوا بمنأى عن العملية السياسية، بل ومن الضرورة بمكان أن يتعايشوا مع أشقائهم من المكونات الأخرى، أبناء الوطن الواحد، وعدم الاستعانة بأطراف خارجية لا تعمل إلّا لتحقيق مصالحها في تعظيم النفوذ الإقليمي، وليس مصلحة اليمن، والذي يشكل واحداً من الدول المهمة والاستراتيجية في المنطقة، وبشكل خاص في الجزيرة العربية، لاسيما في ظل الحقيقة التي ينبغي ألّا تغيب عن أحد، وهي أن اليمنيين بكل مكوناتهم واتجاهاتهم، مصيرهم واحد وهو مرهون بمدى تحقق وحدتهم شعباً وتراباً وبمدى اعتمادهم على أبناء جلدتهم، الأمر الذي من شأنه أن يدفع بهم إلى الخروج من دائرة التخلف والفقر والحرب، وهو ما ضاعف من تداعيات الأزمة الإنسانية. كل هذه المعطيات دفعت الانقلابيين، وفقاً لرؤية نائب الأمين العام للجامعة العربية، إلى إدراك أن مصلحتهم ومصلحة كل المكونات تقتضي العودة إلى طاولة التفاوض والحوار الوطني. مكاسب عسكرية ويمتدح بن حلي دور دولة الإمارات العربية المتحدة في إطار التحالف العربي سواء في الشق العسكري والعملياتي، والذي تجلى في المشاركة في أعمال القصف الجوى لمواقع ومراكز الانقلابيين أو عبر المشاركة في العمليات البرية التي حققت المكاسب العسكرية إلى جانب قوات الإشقاء من دول التحالف الأخرى، وهو ما أسهم بفاعلية في توفير البيئة المواتية لاستعادة الشرعية ولقطع الطريق أمام الأجندات الإقليمية التي عملت على العبث بالأمن الوطني لليمن والأمن القومي للمنطقة العربية، معتبراً أن هذه المواقف تعكس بوضوح التضامن العربي في مواجهة أي عدوان، تتعرض له أي دولة عربية الأمر الذي شكل نقطة تحول شديدة الإيجابية في أداء النظام الإقليمي العربي الذي كان ينتظر المساعدة من أطراف خارجية في مثل هذه الأحوال، أمّا بعد تشكيل التحالف العربي فقد بات يعتمد على مبادرته الذاتية في حماية أمنه القومي، وهو الأمر الذي سيشهد المزيد من التحولات النوعية في المراحل المقبلة، وهو يتسق بالتأكيد، كما يضيف، مع ميثاق الجامعة العربية، وبالتالي فإن معالجة أزمات المنطقة في الإطار العربي يشكل - إن صدقت النوايا والأهداف والإرادات السياسية - أنجع طريقة للحفاظ على أمن واستقرار الدول العربية، فضلاً عن كونه يجسد بصورة عملية أرقى أشكال التضامن العربي.
مشاركة :