عن سن ناهز 67 سنة، لبت الإعلامية والسيناريست فاطمة الوكيلي نداء ربها صباح اليوم بمدينة الدار البيضاء، فيما ووري جثمانها الثرى بمقبرة الشهداء، عصر اليوم، وكانت الراحلة قيد حياتها قد شغلت مناصب إعلامية هامة، بدءً من إذاعة البحر الأبيض المتوسط ميدي 1، والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ثم القناة الثانية التي قدمت فيها برامج سياسية، بالموازاة كانت الفقيدة كاتبة سيناريو وحوارات لمجموعة أفلام مغربية. وخلف رحيل لوكيلي التي ولدت بمدينة مكناس، حزنا كبيرا وسط أسرتها وزميلاتها وزملائها بالوسط الفني والإعلامي، نورد في هذه الورقة بعضا من شهادات هؤلاء. صباح بنداوود صحافية بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون فاطمة الوكيلي؛ الإسم الذي اقترن بالميكرفون، وحمل عبر الهواء صوتا ناعما ولسانا فصيحا، ورسخ في وجدان المستمعين شخصية سيدة تفننت في تقديم محتوى إذاعي، يليق بقيمة الإذاعة كوسيلة تواصل جماهيرية. وحملت تجربتها لمجاراة تقديم الأخبار، وإدارة الحوارات السياسية تلفزيونيا، وبرعت في ذلك، وكانت بذلك توثق لأوج عطائها وتألقها الكبير ومهنيتها العالية . كان طبيعيا أن تجذبها السينما، وأن تبصم وتساهم في علاقة جديدة للسينما المغربية، وهي تبحث عن جمهور مغربي حيث خاضت تجربة كتابة السيناريو والحوار والتمثيل. سيدة الشاشة بتواضعها اللافت، لم تغير من قناعاتها، ولا تشبثها بقيم الدفاع عن مهنة الصحافة، كوسيلة لحماية القيم والأخلاق، وتكريس مفهوم الرأي والرأي الآخر. فتيحة أحباباز صحافية ورئيسة تحرير سابقة بالقناة الثانية ما عساني أقول في حق الراحلة؟ فاطمة الوكيلي رحمها الله؛ لم تكن شخصية عادية، بل تمثلت فيها شخصيات متعددة ومختلفة الواحدة عن الأخرى، لكن تلتقي جميعها في الإنسانة المناضلة الجريئة والثائرة على كل أنماط التخلف والجمود، الذي طبع لعقود الإعلام ببلادنا. لن استوفي الحديث عن مسارها المهني حقه من Medi1مرورا بالتلفزة المغربية، إلى القناة الثانية حيث تعرفت عليها عن قرب، وجمعنا العمل في قسم الأخبار ثم البرامج. برامجها وأعمالها تتحدث عنها وتشهد لها بالمهنية العالية والجرأة .وكما قلت في البداية؛ فاطمة رحمة الله عليها، كانت لها كفاءات كثيرة جمعت بين الفلسفة والاعلام والثقافة، خاصة مجال السينما فهي من لقبت بسيدة الشاشتين الصغيرة والكبيرة، كونها إعلامية لكن كذلك ممثلة وكاتبة سيناريو وحوارات للعديد من الأفلام المغربية المعروفة. كانت رحمها الله تحب الحياة لكن الحياة لم تعاملها بالمثل. فنكران الذات قابله نكران الاعتراف بالعطاء للمهنة، والتهميش، فالمرض فالرحيل في صمت. فاطمة الوكيلي مسار قوي في مشهدنا الإعلامي السمعي البصري، ينضاف اسمها إلى قائمة من اشتغلوا بصمت ونكران ذات، إذن لن نستغرب إذا رحلت في صمت. محمد الوافي المدير المساعد للإنتاج بالقناة الثانية هي أم أولًا لأم شابة، إطار كبير في اليونسكو وهي صاحبة الحظ الوفير إعلاميا، بحيث شاركت في إطلاق وإنجاح تجربة إذاعة البحر الابيض المتوسط ميدي1، وتجربة التلفزة تتحرك بالقناة الوطنية الأولى، زمن الإطار الفرنسي بكار، قبل أن تشارك في إطلاق تجربة القناة الثانية على مستوى الأخبار، وعلى مستوى إطلاق أول تجربة للنقاش العمومي والبرامج الحوارية السياسية والفكرية. كذلك لانست تجربة فاطمة الوكيلي مجال المسرح من خلال التشخيص المسرحي في فرقة جمعية الاتحاد الفني بفاس، كما شخصت بنجاح كبير أدوار رئيسية في أفلام سينمائية ناجحة، كشريط: شاطئ الأطفال الضائعين لجيلالي فرحاتي، ثم هي كاتبة سيناريو وكاتبة حوار ناجحة، وسبق لها أن ترأست لجنة دعم إنتاج الافلام السينمائية التابعة للمركز السينمائي المغربي. وكانت المرحومة عضو لجنة أخلاقيات الصحافة في تسعينات القرن الماضي، واشتغلت على مقالات وأبحاث لا يستهان بها لصالح المجلات والمراكز البحثية. ويحتفظ لها زملاؤها في القناة الثانية بمكانة خاصة، نتيجة لاجتهاداتها وعملها معهم على إنتاج وإخراج عدد من التجارب الإعلامية التي طبعت تاريخ المشهد الاعلامي الوطني. وبهذه المناسبة نتقدم لابنتها وإخوتها ولجميع أهلها، نيابة على جميع الزميلات والزملاء بالقناة الوطنية، نشطين ومتقاعدين، بصادق عبارات التعازي والمواساة، راجين لهم الصبر الجميل، ومتمنين لها واسع الرحمة والمغفرة الربانية. حميد سعدني مدير الأخبار بالقناة الثانية بداية تعازينا الحارة لنجلة الفقيدة، ولأسرتها ولعائلتها وخاصة لعائلتها الإعلامية والفنية، فاطمة الوكيلي صحافية اشتغلت رفقتها في القناة الثانية في التسعينيات، لازلت أذكر أنها كانت تتميز بحس سياسي ووعي ثقافي كبيرين، كانت من النساء الأوائل اللواتي اقتحمن عالم الاعلام والصحافة، بفضل وعيها المبكر بأهمية هذا المجال في تطوير المجتمع والدفع بالتطور الذي يبغيه المغرب، دراستها للفلسفة والسياسة ساعداها كثيرا، ولا ننسى أنها من جيل الستينيات، هذا الحيل الذي فتح عينيه على الثورات الثقافية والسياسية بعد الحرب العالمية الثانية التي تركت جرحا غائرا في قلب البشرية، فهذا الجيل المتشبع بأفكار جديدة، افكار الشباب الذي ثار في عدد من الدول في بداية السبعينيات، وتلك الموجة من الحركات الثقافية التي عرفها العالم، وفاطمة الوكيلي؛ هي من الجيل للذي سيغرف ويتشبع بهذه الأفكار الحداثية، التي ثارت على كل ما هو كلاسيكي، فقد كانت سيدة متفتحة ومثقفة، تحارب الجهل وساهمت بعدد من البرامج سواء في القناة الأولى كمقدمة أخبار، أو في إذاعة ميدي 1 كصحافية، أو في القناة الثانية بالخصوص، حيث اشتهرت بتنشيط برامج ثقافية وسياسية كبيرة ومهمة. اشتغلنا أيضا معا في نشرات الأخبار، واستفدنا من تجربتها التي حملتها معها من القناة الأولى المغربية وإذاعة ميدي 1، كانت بالنسبة لنا نموذجا للصحافية المثقفة، التي لديها خلفية سياسية، لا تشتغل فحسب من أجل القوت اليومي ولكن لديها أفكار ومواقف، لديها فلسفة معينة تعطيها قوة الاشتغال، الشيء الذي كنا نحسه في حواراتها وأعمالها الصحافية. ثم ستغادر القناة الثانية إلى حبها الأول الذي هو الفن، وبالخصوص؛ إلى السينما كسيناريست وأيضا كممثلة، حيث كتبت العديد من الأفلام السينمائية المغربية المشهورة، مع الأسف نودعها في سن مبكرة، ونتمنى أن تكون قدوة لباقي الصحافيات والصحافيين، في وعيها والتزامها مع المجتمع ومع التطور الفكري والسياسي والثقافي، الذي يجب أن يكون في بلد مثل بلدنا، يتوخى التقدم وينهج الحداثة، وينهج القطع نهائيا مع ما هو تقليداني، وما لا يمت للعقل والحكمة بشيء. سناء رحيمي مقدمة أخبار بالقناة الثانية الله يرحمها ويجعل مثواها الجنة، أيقونة الصحافة الوطنية، تميزت وهي تحاور أسماءً وازنة تألقت بشجاعة وجرأة اعلامية لافتة، صمت على مسار متميز كإعلامية مغربية، وكانت بصمتها واضحة في القناة الثانية. الله يرحمها. أمينة غريب إعلامية تركناها حيث انتهت رحلتها في مقبرة الشهداء بالدار البيضاء، رافقها علم فلسطين؛ القضية التي عانقتها إلى النخاع. فاطمة لوكيلي روح إنسانية مزيج لا يتجزأ، في قسم التحرير العربي بدار لبريهي؛ مارسنا معا شغبا مهنيا مع الراحل احمد الزايدي، كنا شغوفين بالمهنة وبأخلاقياتها رغم أن الفترة كانت فترة إعلام في تبعية للداخلية، أتذكر طقسها اليومي عند انتهاء كل الفريق من إعداد النشرة، انعزالها في ركن خاص لإعادة مشاهدة كل مواد النشرة قبل انطلاقها حتى تجد الخيط الرابط بين كل المواد، والجملة المفتاح للانتقال، وهي تقدم النشرة من موضوع لآخر بذكاء مهني. صحافية محاورة بدراية، عاشقة للكتاب وممارسة للكتابة ومعانقة لقضايا إنسانية، ولكل التعبيرات الإبداعية، بأريحيتها الانسانية تجاوزنا العلاقة المهنية إلى علاقة انسانية تواصلت إلى أن رحلت اليوم. عاشت انكسارات، نجاحات، غيابات، لكنها لم تفقد تلك الروح التي صنعت منها امرأة رافضة لكل القوالب الجاهزة.
مشاركة :