حرب غزّة ورهانا "بيبي" و"حماس"

  • 3/28/2024
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

يعطي ترحيب "حماس" بالقرار 2728 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي يدعو إلى وقف للنار طوال شهر رمضان، أي طوال الأسبوعين المقبلين، مع الإفراج عن جميع المحتجزين لدى الجانبين فكرة عن استعداد الحركة للدخول في نوع من المفاوضات السياسيّة. تبدو "حماس" في حاجة أكثر من أي وقت إلى نوع من الهدنة تسمح لها بالتقاط أنفاسها بعدما ارتكبت جريمة هجوم "طوفان الأقصى" التي ردّت عليها إسرائيل بسلسلة من الجرائم فاقت كلّ ما تتصوره "حماس". حدث ذلك بعدما وضع بنيامين نتانياهو نصب عينيه تصفية القضيّة الفلسطينيّة مستغلا يوم "طوفان الأقصى" أي السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي... إلى أبعد حدود الإستغلال، مثله مثل إيران. بعد خمسة أشهر وثلاثة أسابيع من بدء حرب غزّة، كان لا بدّ من التوصل إلى هدنة ما، حتّى لو كانت هدنة قصيرة، لن تلتزمها إسرائيل حيث قرّر "بيبي" نتانياهو الذهاب بعيدا في المواجهة مع إدارة جو بايدن. قرّر رئيس الحكومة الإسرائيليّة التراجع عن إرسال وفد من شخصين يثق بهما إلى واشنطن بغية مناقشة موضوع الهجوم، الذي ينوي شنّه على رفح، مع مسؤولي الإدارة. أراد "بيبي"، بتراجعه عن إرسال الوفد الثنائي، إظهار امتعاضه من امتناع الولايات المتحدة عن إستخدام "الفيتو" لمنع صدور قرار يوقف النار في غزّة، ولو لبضعة أيام، عن مجلس الأمن. سيستغل الإسرائيليون العبارة التي تضمنها القرار الأممي والتي تتحدث عن تبادل المحتجزين "من دون شروط" كي ترفض وقف النار. سيأخذ الإسرائيليون ما يريدونه من القرار ويتركون وقف النار معلّقا. لدى رئيس الحكومة الإسرائيليّة، الذي ربط مستقبله السياسي بحرب غزّة وبانتصار ساحق ماحق على "حماس"، رغبة في إقتحام رفح من دون طرح سؤال في غاية البساطة من نوع: إلى أين يذهب الفلسطينيون الموجودون في رفح والذين يزيد عددهم على مليون شخص؟ هل مطلوب تشريد كلّ أهل غزّة من أجل أن يرضى بنيامين نتانياهو واليمين الإسرائيلي؟ يعتبر اليمين الإسرائيلي الذي يتحكم بمصير الحكومة القائمة أنّ "طوفان الأقصى" فرصة لا تعوّض في المواجهة مع الشعب الفلسطيني وحقّه في دولة مستقلّة. في كلّ الأحوال، ليس قرار مجلس الأمن سوى خطوة صغيرة في الإتجاه الصحيح في وقت لا تدرك فيه "حماس" أنّ لا مستقبل سياسيا أمامها وأنّ عودتها إلى غزّة، التي تسبّبت في تدميرها، ليست واردة. يمكن للأميركي والإسرائيلي أن يختلفا في شأن نقاط كثيرة. لكن ما يجمع بينهما، كما يجمعهما بالأوروبيين، ذلك الإصرار على رفض عودة "حماس" إلى غزّة أو التعاطي معها بأي شكل. هذه هي المشكلة الأساسيّة لـ"حماس" التي تعتقد أنّ في استطاعتها قطف ثمار حرب غزّة سياسيا متجاهلة أن ذلك هو الطريق المباشر الذي يقود إلى خدمة اليمين الإسرائيلي الذي راهن دائما على صواريخها وعلى رفعها شعارات فارغة مثل شعار "تحرير فلسطين من البحر إلى النهر" أو أن "فلسطين وقف إسلامي". يخفي القرار، الذي سمحت إدارة بايدن بتمريره في مجلس الأمن بعد التخلص من عبارة "الهدنة الدائمة"، مواجهة حقيقيّة بين الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية الحالية التي لا تمتلك أي مشروع سياسي باستثناء تكريس الاحتلال وإلغاء الشعب الفلسطيني الموجود على الخريطة السياسيّة للمنطقة أكثر من أي وقت، مثلما هو موجود على أرض فلسطين. ما زالت "حماس" تخلط بينها وبين المشروع الوطني الفلسطيني وما زال اليمين الإسرائيلي بزعامة "بيبي" نتانياهو يراهن على أنّه سيخضع إدارة بايدن التي لم تعد قادرة، مثلها مثل بقية الدول الأوروبيّة والعربيّة، على تجاهل مأساة غزّة التي فاقت كلّ تصوّر. سيتوقف الكثير على ما ستفعله إدارة بايدن في الأسابيع المقبلة. الأكيد أنّها لا تستطيع، بأي شكل، أن تكون مثل إدارة دوايت إيزنهاور التي أجبرت إسرائيل على الانسحاب من سيناء في العام 1956 بعد مشاركتها في "العدوان الثلاثي" على مصر إثر قرار جمال عبد الناصر القاضي بتأميم قناة السويس. وقتذاك، وضع إيزنهاور إسرائيل في حجمها الحقيقي وأوقف العدوان البريطاني – الفرنسي – الإسرائيلي على مصر. كان العالم مختلفا في خمسينات القرن الماضي. لم تكن إسرائيل تتجرّأ على تحدي أميركا كما يفعل "بيبي" حاليا الذي لديه تجربة ناجحة في تحدي باراك أوباما في واشنطن نفسها وفي الكونغرس حيث القى خطابا أمام مجلسيه متجاهلا البيت الأبيض وموقفه منه. حسنا، يمكن أن تتوقف حرب غزّة أو أن تخفّ حدتها لمدة أسبوعين. لكن ماذا بعد ذلك؟ ما الذي ستفعله إدارة بايدن وإلى أين يمكن أن تذهب في ضغطها على "بيبي" الذي إتخذ قرارا بالمقاومة من منطلق أن الولايات المتحدة تابع لإسرائيل وليس العكس. يعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية أن واجب أميركا تزويد إسرائيل بكل الأسلحة والذخائر التي هي في حاجة إليها، فيما لا ترى أميركا، ومعها أوروبا ودولة مثل كندا، أنّ لا معنى لإستمرار حرب غزّة. بدل إستمرار الحرب، لا مفرّ من البحث عن حلّ سياسي يقوم على وضع الأسس لقيام دولة فلسطينيّة مسالمة مع استبعاد لأي دور لـ"حماس" مستقبلا. ما زالت "حماس" تبحث عن دور في مرحلة ما بعد حرب غزّة. يستحيل أن يكون لها دور مثلما يستحيل أن ينتصر اليمين الإسرائيلي على الولايات المتحدة التي سيكون عليها تطوير قرار مجلس الأمن بما يتوافق مع بحث عن حلّ سياسي. تحتاج المنطقة إلى مشروع حلّ سياسي اليوم قبل غد. في النهاية، هل يمكن التوصل إلى حل سياسي مع شخص مثل بنيامين نتانياهو يريد، باصراره على حرب رفح، الإنتهاء من غزّة لكنّه لا يعترف أنّه لا يستطيع الإنتهاء من الشعب الفلسطيني وقضيّته التي اساءت إليها "حماس" ولم تخدمها؟

مشاركة :