يسود شعور عام في شمال غرب سوريا بعدم أهلية التنظيمات القائمة، وبوجود حاجة إلى بدائل قادرة على النهوض بواقع السوريين في المنطقة الخارجة عن سيطرة الحكومة. وبدأ هذا الشعور يترجم في توجه عدد من النشطاء نحو تأسيس كيانات سياسية تدعو إلى إدارة مدنية موحدة، لكن من الصعب الجزم بمدى نجاحها لكونها تجارب وليدة، فضلا عن تراجع ثقة المواطنين بالعمل السياسي. حلب (سوريا) - تشهد مناطق سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا زخما سياسيا مع بروز كيانات جديدة، تتبنى رؤية مختلفة ترتكز على إدارة مدنية موحدة، بعيدا عن نفوذ هيئة تحرير الشام وفصائل ما يسمى الجيش الوطني السوري. ويرى متابعون أن الظروف الاجتماعية والأمنية الصعبة هيأت الأجواء لبروز هذه الكيانات في الشمال السوري، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل بوسع الأخيرة فرض نفسها في بيئة معادية؟ وأعلنت مجموعة من السوريين مؤخرا عن تنظيم سياسي جديد أطلق عليه اسم “تيار سوريا الجديدة”، وذلك خلال احتفال شعبي بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية في مدينة أعزاز شمال حلب. وسبق إعلان “تيار سوريا الجديدة” ظهور تشكيل آخر هو “الحركة الوطنية السورية”، ويعتقد المتابعون أن ما يشهده الشمال السوري يعكس وعيا متزايدا لاسيما في صفوف الشباب بأن التنظيمات المسيطرة على المشهد لا يمكن الرهان عليها لتحقيق تطلعاتهم. وقال رئيس التيار ياسر تيسير العيتي إن الثورة السورية لن تحقق أهدافها ما لم ينظم أبناؤها أنفسهم في كيانات سياسية تعبر عن مطالبهم، مشيراً إلى أنه لا توجد نية جدية عند الدول الفاعلة في الملف السوري لإيجاد حلول نهائية لهذا الملف، فهي تتبع سياسة إدارة الأزمة في الملف السوري أكثر من سياسة حلها. ياسر العيتي: ندعو إلى التلاقي حول مبادرة لتوحيد شمال غربي سوريا ياسر العيتي: ندعو إلى التلاقي حول مبادرة لتوحيد شمال غربي سوريا ودعا العيتي في تصريحات لموقع “تلفزيون سوريا” إلى التلاقي حول رؤية التيار بما يخص الوضع المتردي في شمال غربي سوريا، عبر مبادرة تنادي بـ”هيئة عامة مدنية وإدارة مؤقتة في المناطق المحررة (مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام)”. وأعرب رئيس التيار عن دعمه لمطالب المتظاهرين في إدلب، ونادى بضرورة وجود وضع يحترم كرامة السوريين ويتيح لهم حرية التعبير، وضع ليس فيه احتكار للسلطة، ولا وصاية، ولا قبضة أمنية. واعتبر أن ما يحدث في إدلب يدل على أن السوريين كسروا طوق الاستبداد مرة واحدة وإلى الأبد، ولا أحد يتوهم أن السوريين يمكن أن يستكينوا لأي حالة استبدادية؛ قد يسكتون مؤقتاً نتيجة لظروف معينة لكن بعد وقت قصير أو طويل يعاود الناسُ النزول إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم، وهذه رسالة إلى أبومحمد الجولاني وإلى غيره إن لم يحصل الناس على حقوقهم فلن تستقر الأوضاع ولن يكون هناك وضع في الشمال يحقق مصالح الجميع. وشهدت إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام مؤخرا احتجاجات شعبية طالبت في البداية بإطلاق سراح النشطاء، وإنهاء القبضة الأمنية، وبتخفيف القيود الاقتصادية، قبل أن تتطور إلى المناداة برحيل زعيم هيئة تحرير الشام أبومحمد الجولاني، وتركيز إدارة مدنية. وهذه أول مظاهرات تخرج بمثل ذلك الزخم في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى التحرك والإعلان عن الاستجابة لجملة من المطالب الأمنية والاقتصادية للمتظاهرين، في ظل تخوف قيادة الهيئة من انهيار سلطتها في الشمال. والوضع ليس أفضل حالا في مناطق سيطرة فصائل الجيش الوطني السوري، حيث هناك حالة من التململ الشعبي نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وهي عوامل تدفع السوريين إلى التحرك والبحث عن بدائل، من بينها إدارة مدنية. ودعا رئيس “تيار سوريا الجديدة” إلى التلاقي حول مبادرة لتوحيد شمال غربي سوريا وفق نقطتين أساسيتين: هيئة عامة مدنية وإدارة مؤقتة في شمال غربي سوريا، حيث يمكن أن يخلق النموذج الذي ستسفر عنه المبادرة بيئة مستقرة تسهم في تحسين شروط التمثيل ومستويات الإدارة والأمن العمومي شمال غربي سوريا وتوحيد معاييرها، كما سيساعد هذا النموذج على عودة أبناء هذه المناطق إليها وتنظيم العلاقة مع الجار التركي ودعم استقلال القرار الوطني، وهو نموذج لن يولد إلا بتضافر كل القوى الوطنية في الشمال السوري. ويرى المتابعون أن أهداف “تيار سوريا الجديدة” تتقاطع إلى حد كبير مع الحركة الوطنية السورية التي تشكلت في العام 2022، مشيرين إلى أن هناك حاجة ماسة إلى التنسيق والعمل المشترك بين الكيانات الوليدة، حتى لا تتحول إلى مجرد “دكاكين”. وقال الأمين العام للحركة الوطنية زكريا ملاحفجي إن التشكيل “جاء لحاجة الواقع الذي يعيش الفوضى وغياب التنظيمات السياسية الوطنية والعمل السياسي، ومن أجل تعزيز منطق الوطنية قولًا وعملًا على الانتماءات ما دون وطنية، وكذلك عزوف الشباب عن العمل السياسي وحالة الشتات“. وأضاف في تصريحات صحفية “نحن بحاجة إلى تعزيز الوعي السياسي والتنظيم على أرض الواقع والدفع بقضايا إصلاحية، لاسيما افتقار بيئة المعارضة للقوى السياسية المنظمة”، مشيرًا إلى أن التيارات السياسية في الشمال السوري “قليلة ووليدة”، وتوجد حاجة ماسة إلى أن تكون هذه الظاهرة فعّالة. إدلب تشهد احتجاجات شعبية تطالب بإطلاق سراح النشطاء، وإنهاء القبضة الأمنية، وبتخفيف القيود الاقتصادية كما تنادي برحيل زعيم هيئة تحرير الشام ووصف ملاحفجي الردود الشعبية على إطلاق الحركة الوطنية السورية بـ”الجيدة من كافة المكونات العرقية والدينية والطائفية”، مشيرًا إلى وجود تواصل مع الفاعلين الدوليين، وتمّ الاستفسار منهم عن منهجية الحركة الوطنية ورؤيتها السياسية وبرنامجها والقائمين عليها. واعتبر محمد نور حمدان، مدير مركز مناصحة للدراسات، في حديث لـ”نون بوست” أن تشكيل عدد من الحركات والتيارات والأحزاب السياسية يعدّ “نقطة إيجابية”، كونه ينطلق من رؤية وطنية لتجمع جميع أبناء الوطن من جهة، وتستهدف الشباب في الداخل للعمل السياسي والاهتمام بالشأن العام من جهة ثانية، مع وجود وعي ملحوظ بين الشباب بأن الفصائل العسكرية لا يمكن أن تحقق ما يطمحون إليه. ويرى حمدان أن التشكيلات السياسية ربما لا تستطيع تحقيق أهداف سياسية في المستقبل القريب، لأن المسألة السورية في يد دول إقليمية وعالمية، لكنها تعتبَر تحرّكًا مهمًّا، بحيث تستطيع احتواء شباب سوريا وخلق وعي سياسي يؤهّلهم على المستوى البعيد لبناء سوريا المستقبل بعيدًا عن الاستبداد، كما يمكن أن تشكّل عامل ضغط سياسي على مؤسسات المعارضة الرسمية، خاصة مؤسسة الائتلاف التي تُعتبر الممثل الرسمي لقوى المعارضة، وكذلك من واجب الائتلاف دعم هذه التشكيلات السياسية. وتعرضت المعارضة السورية لانتكاسات عديدة في السنوات الأخيرة جعلتها فاقدة لأدوات التأثير في المشهد، ويعزو مراقبون ذلك إلى نجاح الحكومة السورية في استعادة السيطرة على معظم المحافظات، فضلا عن أن قوى المعارضة سقطت في فخ التبعية لقوى إقليمية، الأمر الذي أفقدها ثقة السوريين. ويشير المراقبون إلى أن تراجع اهتمام المجتمع الدولي بالشأن السوري ساهم بشكل كبير في إضعاف المعارضة، معتبرين أن التنظيمات السياسية الجديدة أمام تحد كبير لإثبات الذات في ظل الجمود الراهن، واضمحلال ثقة السوريين بالعمل السياسي.
مشاركة :