السعوديون والمصريون ومدرسة التكامل العربي

  • 4/9/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا تحتاج زيارة خادم الحرمين الشريفين للقاهرة إلى أي شرح حول تفاصيلها وأهميتها، لأنها وعلى امتداد الأيام الخمسة، ستكون مليئة بالاجتماعات والإنجازات في كل المجالات، إضافة إلى النقاش العريض الذي يدور بين النخب السعودية والمصرية وعلى الفضائيات، مما يجعل هذه الزيارة بمثابة اجتماع موسع بين قيادة الدولتين والشعبين في آن. إن زيارة خادم الحرمين الشريفين لخمسة أيام، تُشكل تغييرا جذريا في وعينا لما عهدناه خلال العقود الماضية من قمم وزيارات متبادلة بين القادة العرب، والتي أصبحت تقاس بالساعات وليس بالأيام، بما فيها القمم العربية الدورية للملوك والرؤساء العرب، بحيث أصبح الحضور لا يتعدى اليوم الواحد. إن زيارة القاهرة في خمسة أيام لخادم الحرمين الشريفين تعدّ بداية زمن عربي جديد، يقوم على الوضوح والاتفاقات التكاملية، وليس على البيانات الختامية. لا شك أن كل مواطن سعودي أو مصري تعرف على موضوعات الزيارة واتفاقاتها وآفاقها وتحدياتها وآمالها، لأنهم يتابعون عبر الإعلام كل تفصيل في هذه الزيارة، ولا أعتقد أننا سنشهد بعد هذه الزيارة أي نوع من المغامرات التحليلية من هنا أو هناك، والتي كانت تشكك بعمق في العلاقات العربية- العربية، وفي مقدمتها العلاقات السعودية المصرية. توقفت كثيرا عند اختيار خادم الحرمين الشريفين منطقة سيناء هدفا مباشرا لمشروعه التنموي، فهذه المنطقة الإستراتيجية تختصر نظرية الخواء الإستراتيجي بما هي صلة الوصل بين عرب آسيا وعرب إفريقيا. هذه المساحة بالغة الأهمية للتكامل والتواصل العربي، وهي تتجاور مع كل من السعودية والأردن وغزة والسودان، وتُعد صمام الأمان لأمن دول البحر الأحمر، كما أنها الآن تعد إحدى بؤر الإرهاب. إن اختيار منطقة "الطور" لبناء جامعة خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز، يعدّ رسالة بالغة العمق حول تمسّك العرب بأرضهم وتاريخهم العريق. لا أعرف كيف يتابع الزيارة المواطنون العرب السوريون والعراقيون واليمنيون والليبيون والفلسطينيون بالتحديد، وهم يشكلون أكثر من سبعين مليون مواطن عربي يعيشون أسوأ أيام في ظل الفوضى الخلاقة التي تجتاح بلادهم، كما يفتقدون التضامن العربي الذي لطالما شكل، ولعقود طويلة، حلما كبيرا، وقد ذهب أدراج الرياح، إلا أنهم يتطلعون إلى زيارة الأيام الخمسة بكثير من الأمل، بتأسيس زمن عربي جديد، يقوم على التكامل واحترام الدولة الوطنية والخصوصيات التي اختُرقت من دول الجوار. أعترف بصعوبة الكتابة عن هذه الزيارة التاريخية، ونحن ما نزال في يومها الثاني، لأنني في كل ساعة تقريبا أستمع إلى عدد كبير من الأحاديث التقييمية لهذه الزيارة من نخب رفيعة، كلها تبدو عاجزة عن الإحاطة بهذه الزيارة الحدث. ولكن المشترك الوحيد لدى الجميع هو أننا أمام زمن عربي جديد لا نستطيع أن نشكك في وضوحه ونتائجه، لأنه يقوم على التفاصيل الدقيقة التي تعالج المصالح المشتركة في الاستقرار والتقدم دون استتباع أو ادعاء. للمرة الأولى، لا نستطيع الحديث عن البيان الختامي الذي سنستمع إليه الإثنين القادم مع نهاية زيارة الأيام الخمسة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة، واجتماعاته مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ومعهما كل المصريين والسعوديين دون استثناء، والذين يعيشون معا تجربة تكاملية على مدى الأيام الخمسة وفي كل المجالات، من الأمن إلى الصحة والتعليم والزراعة والطرقات والصناعات والإسكان والاقتصاد والسياسة، وهي ليست وعودا أو تمنيات، إنما هي اتفاقيات وإنجازات تتحدث عن نفسها. أعتقد أن البيان الختامي لزيارة الأيام الخمسة سيكون بمثابة خارطة طريق واضحة، بما يشكل مسارا جديدا للعمل العربي المشترك، على أساس تكامليّ في الرأي والمسؤولية، ومن الطبيعي أن تكون الخطوة القادمة هي اجتماع قمة لدول التحالف العربي في اليمن، أي دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر والسودان والأردن والمغرب، بما هم قاطرة التكامل العربي الجديد الذي أسّست له عاصفة الحزم في اليمن، ثم رعد الشمال في حفر الباطن. إن الأيام الخمسة التي نشهدها بين السابع من أبريل والحادي عشر منه، هي عملية تحوّل تربوية ثقافية، أعادتنا جميعا إلى صفوف الدراسة، من الحضانة إلى الجامعة، كي ننسى ما تعلمناه خلال العقود الماضية عن العلاقات العربية- العربية من انهيارات وتداعيات، رغم ما شهدته من صفحات بيضاء عبر مسيرتها المتعثرة على مدى سبعين عاما. ونستطيع أن نؤكد أن زيارة الأيام الخمسة للملك سلمان إلى القاهرة، تشكل بالنسبة للسعوديين والمصريين مدرسة للتكامل العربي.

مشاركة :