أكثر ما لفت نظري في تحليل "مايكل سينغ"، طبيعة الإجراء العسكري المطلوب، وهو التحذير من أن الولايات المتحدة مستعدة لتنفيذ الأعمال العسكرية إذا لزم الأمر لمنع إيران من حيازة سلاح نووي، وعلى الإدارة الأميركية أن تطلب من حملة ترمب الانتخابية إصدار بيان مماثل لتوضيح أن هذه المسألة تحظى بإجماع الحزبين.. من التحليلات النوعية التي عكفت على قراءتها بشكل متعمق مؤخرًا، ما كتبه "مايكل سينغ"، وهو المدير الإداري لمعهد واشنطن، حمل عنوان "على واشنطن وأوروبا أن تكونا على الموجة نفسها فيما يخص التقدم "النووي الإيراني"، واستند في بناء معطيات تحليله الموجز التي نتفق ونختلف حولها، حيال التقرير الأخير الصادر عن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، موضحًا لماذا يتعين على الغرب إعادة التركيز على برنامج طهران النووي، الذي يستمر في التوسع حتى مع تراجع الإرادة الدولية للتصدي له على ما يبدو. الأهمية التي تحملها توجهات "سينغ" التحليلية، تعود إلى إرث الرجل، حيث كان مسؤولًا خلال تواجده في البيت الأبيض (2005 - 2008) عن وضع وتنسيق سياسة الأمن القومي للولايات المتحدة تجاه المنطقة التي تمتد من المغرب إلى إيران، مع التركيز على أنشطة إيران النووية والإقليمية، والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وسورية، والتعاون الأمني في الشرق الأوسط الكبير، كما عمل مساعد خاص لوزيري الخارجية الأميركيين كوندوليزا رايس وكولين بأول. سأحاول جاهدًا ترتيب الإشارات التي يذهب لها "مايكل سينغ" بتصرف، فهو يرى أن النظام الإيراني صعّد من أنشطته النووية في الداخل، وتتزامن هذه التطورات في المجال النووي مع تجاهل طهران للتحذيرات الأميركية، واصطفافها المتزايد إلى جانب روسيا والصين، كما يتضح من ارتفاع مبيعاتها من النفط إلى بكين والمعدات العسكرية إلى موسكو. وردًا على التصعيد النووي الإيراني - وفقًا للكاتب - اتخذ شركاء الولايات المتحدة الإقليميون إجراءات احتياطية، إذ قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتطبيع علاقاتهما مع طهران وتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، فيما ضاعفت الرياض اهتمامها بكل من البرنامج النووي المدني ومعاهدة الدفاع الأميركية، وترجع هذه الإجراءات، جزئياً على الأقل، إلى ردود الفعل الأميركية والأوروبية الضعيفة على التصعيد الإيراني، بما في ذلك التصريحات المتواضعة وغير المنسقة حول الملف النووي وردود الفعل غير الحاسمة على هجمات الميليشيات الوكيلة، فمن أجل ثني إيران عن تكثيف مساعيها لتطوير الأسلحة النووية، سيتعين على واشنطن وشركائها اعتماد نهج أكثر صرامةً واتحاداً. ويقترح سينغ عدة إجراءات احترازية (دبلوماسية، اقتصادية، عسكرية) من أجل ردع إيران عن تنفيذ المزيد من الأنشطة المتعلقة بالأسلحة النووية، حيث يتعين على إدارة بايدن وشركائها في الثلاثي الأوروبي - بريطانيا وفرنسا وألمانيا - النظر في سلسلة من الإجراءات المشتركة بالإضافة إلى فرض المزيد من التكاليف الملموسة على طهران، قد تكون هذه الإجراءات السبيل الوحيد لتجنب اتخاذ قرار مصيري بشأن ضربات عسكرية محتملة على إيران. من الإجراءات الدبلوماسية المقترحة، حث مسؤولي الثلاثي الأوروبي إما على تنفيذ بند "إعادة فرض العقوبات" المنصوص عليها في "خطة العمل الشاملة المشتركة"، أو التحذير من أنهم لن يسمحوا بانتهاء مفعول هذا البند كما هو مقرر في أكتوبر 2025 ما لم تتراجع إيران عن أنشطتها النووية. ويطالب "سينغ" بإجراء اقتصادي، يتمثل في إنفاذ العقوبات القائمة ضد إيران، لا سيما تلك التي تستهدف صادراتها النفطية التي عادت إلى مستويات ما قبل العقوبات في الأشهر الأخيرة. لكن أكثر ما لفت نظري في التحليل الموجز الصادر عن معهد واشنطن، طبيعة الإجراء العسكري المطلوب، وهو التحذير من أن الولايات المتحدة مستعدة لتنفيذ الأعمال العسكرية إذا لزم الأمر لمنع إيران من حيازة سلاح نووي، وعلى الإدارة الأميركية أن تطلب من حملة ترمب الانتخابية إصدار بيان مماثل لتوضيح أن هذه المسألة تحظى بإجماع الحزبين، فضلًا عن دعم هذا التهديد العسكري بإجراءات أكثر صرامةً ضد أنشطة إيران التي تدعم التصعيد الأخير من قِبل وكلائها الإقليميين، ويشمل ذلك استهداف سفن التجسس الإيرانية التي تسهّل هجمات الحوثيين في اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن. خلاصة القول: إننا مقبلون على مشهد تصعيدي كبير على مستوى المنطقة، إذا كانت إيران قاب قوسين أو أدنى لامتلاك سلاح نووي.. دمتم بخير.
مشاركة :