تعيش كل من أذربيجان وأرمينيا على إيقاع حرب قد تحدث بينهما في كل لحظة حول إقليم قره باغ المتنازع عليه، وفي تطور مفاجئ أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية في 4 إبريل/ نيسان 2016 عن مواجهات عسكرية بين القوات الأذربيجانية والقوات الأرمينية على طول حدود إقليم ناغورنو كاراباخ، مما أدى إلى مقتل العشرات من الطرفين، وذلك قد يؤدي إلى حدوث حرب جديدة بين الدولتين اللتين تزعم كل منهما ملكيتها لهذا الإقليم، رغم إعلان وزارة الدفاع الأرمينية يوم الأربعاء الماضي، الاتفاق على وقف العمليات الحربية على طول خط التماس بين القوات الأذربيجانية والقوات الأرمينية. فأذربيجان تتمسك بوصفه جزءاً من أرضها وحتى اللفظ قره باغ هو لفظ تركي وليس أرمنياً. أما أرمينيا، فتقول إن أغلبية شعب هذا الإقليم هم من الأرمن، وبالتالي، فإنه يشكل امتداداً لسيادتها الوطنية التي لا يمكن التنازل عنها. ولعلَّ مشكلة هذا الإقليم مشابهة إلى حد بعيد لمشكلة الألزاس واللورين، التي كانت بين فرنسا وألمانيا، حيث إن الشعب في هاتين المقاطعتين من أصل ألماني، لكنهم يتكلمون اللغة الفرنسية. وقد نظرت إليهم ألمانيا كألمان من جهة الأصل المشترك بين الشعب الألماني وبينهم، ونظرت إليهم فرنسا كفرنسيين من حيث اللغة المشتركة بينها وبينهم. وقد حطمت الألزاس واللورين عظمة فرنسا وألمانيا معاً، لكن إقليم قره باغ لا يشكل محوراً للصراع بين دولتين صغيرتين فقط، بل هو جزء من الصراع الغربي- الروسي في مناطق آسيا الوسطى والقوقاز. وكان هذا الصراع قد تفجر عام 1988 عند انهيار الاتحاد السوفييتي، عندما أعلن الأرمن في هذا الإقليم الاستقلال عن أذربيجان مستفيدين من أجواء الانفتاح وحرية التعبير التي ظهرت بعد إصلاحات غورباتشوف، وتدخلت الدولة السوفييتية وتم إرسال قوات مسلحة إلى الإقليم لمنع الصدامات الدموية هناك وتم فرض حالة الطوارئ، مما أدى إلى وقف القتال مؤقتاً، ولكن القتال عاد ليتجدد مع انسحاب القوات السوفييتية من المنطقة، وإعلان أرمينيا وأذربيجان الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي في 22/30 أغسطس/آب سنة 1991 على التوالي. وانتهت الحرب بعد وساطة روسية لوقف إطلاق النار في عام 1994. وكانت الحرب نجاحاً لقوات كاراباخ الأرمنية التي تمكنت من السيطرة على 14% من أراضي أذربيجان المعترف بها دولياً بما في ذلك ناغورنو كاراباخ نفسها. ومنذ ذلك الحين، عقدت أرمينيا وأذربيجان محادثات سلام توسطت فيها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ويتمتع إقليم ناغورنو قره باخ حالياً بوضع مستقل إذ هو الآن جمهورية، ولكنها مرتبطة بأرمينيا. ورغم عدم تجدد القتال بين الدولتين طوال تلك الفترة الماضية، لكن من المؤكد أن الحرب ستقع لا محالة لأسباب ذاتية بالدولتين، ولأسباب أخرى تتعلق بالصراع العالمي بين روسيا والغرب، ذلك أن أذربيجان ومنذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي نسجت علاقات قوية مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وقد تبنّت أذربيجان نظام التفضيل في المعاملة بالنسبة إلى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2001، حصلت على العضوية في مجلس أوروبا. وبسبب علاقات أذربيجان الطيبة مع الولايات المتحدة، لم تُدرَج هذه الدولة في القائمة السوداء للدول غير الديمقراطية. وقد مكنت الصداقة مع الولايات المتحدة من حلّ المهمة الحساسة لنقل السلطة في البلاد من الأب إلى الابن. وفي إحدى زيارات إلهام علييف إلى الولايات المتحدة، وصفت واشنطن أذربيجان، بأنها حليفها الإسلامي. وقد شدّد قادة أذربيجان على الحاجة إلى التكامل الوثيق مع الاتحاد الأوروبي في جميع المجالات، فقد صرّح وزير الدفاع الأذربيجاني سَفَر أبييف بأن بلاده ترى نفسها جزءاً مكوناً من أوروبا الجديدة. وفي المقابل، فإن أرمينيا حافظت على نطاق الصداقة مع روسيا، وظلت على مدار سنوات، العضو الكامل الوحيد في التحالف العسكري لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا، وفي عام 2013 انضمت إلى التحالف الجمركي الذي أسسته روسيا عام 2010 مع كل من كازاخستان وروسيا البيضاء، لكن أرمينيا في نفس الوقت، سعت لمد جسور التواصل مع الدول الغربية لكي تضمن حيادها في صراعها مع أذربيجان، لكن كان لتلك الدول شروطها لقبول التعاون معها، حيث تمت دعوتها إلى توقيع اتفاق للشراكة مع الاتحاد الأوروبي كخطوة مبدئية لضمها فيما بعد إلى الفضاء الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وقد كشفت تقارير إخبارية روسية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أن روسيا تعتزم نصب نظام دفاع جوي في أرمينيا الأمر الذي سينهي مساعي الغرب بشكل دائم لتطويع أرمينيا ومد نفوذه إليها، لكن رغم ذلك تعوّل الدول الغربية على تيار شعبي أرمني كبير يطالب بأفضل العلاقات معها، وربما هناك خشية من أن تتحول أرمينيا إلى أوكرانيا ثانية في الفضاء الروسي، لذلك ستضع روسيا كل إمكاناتها لمنع انزلاق أرمينيا إلى الفوضى، بينما ستعمل دول الغرب على تسعير الصراع الداخلي في هذه الدولة. وإذا نجح الغربيون في إسقاط النظام الحاكم في أرمينيا عبر ثورة ملونة، فإن الصراع سيتجدد لا محالة مع أذربيجان، وأيضاً إذا نجحت روسيا في الحفاظ على الدولة الأرمنية، فإن الدول الغربية ستعمد إلى دفع أذربيجان لفتح حرب جديدة مع أرمينيا، والهدف النهائي للمساعي الغربية هو زعزعة استقرار روسيا عبر حدودها المباشرة، ونقل الفوضى والثورات والحروب إلى داخلها. med_khalifaa@hotmail.com
مشاركة :