اقتصاد الهند منارة في ظلام الاقتصاد العالمي

  • 4/10/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أربعين عاماً، كنت عضواً في فريق متابعة الهند في البنك الدولي. ومنذ ذلك الوقت تسحرني طبيعة ذلك البلد وقدرته، رغم فقره، على إغناء تجربته الديمقراطية التي تحظى باحترام ساسة العالم أجمع. إلا أن أداء الهند الاقتصادي لم يرق إلى المستوى الذي يعكس تلك التجربة. ورغم التحسن الذي طرأ بعد أزمة عام 1991 لايزال الاقتصاد بحاجة إلى المزيد. وعلى أية حال لا بد من الإقرار بأن الهند تحقق أسرع معدلات النمو الاقتصادي بين الاقتصادات الكبرى في العالم. فكيف يكون حالها في المستقبل؟ وقد قمت بزيارة الهند مؤخراً وذهني مشغول بهذا السؤال. ولا يمكن الحكم على طبيعة الأداء السياسي والاقتصادي من خلال مشاهدة ما يجري، لكن يمكن استنتاج أربع حقائق. الأولى أن رئيس الوزراء وحزب بهاراتيا جاناتا يمثلان استمراراً للوضع القائم أكثر مما يمثلان تحولاً لمصلحة دعاة الاقتصاد الحر. والثانية أن الأداء على المدى القصير وآفاق المستقبل القريب أكثر توافقاً مع ما كان يجري في الماضي القريب وما هو حاصل في كل مكان. والثالثة أن الأداء على المدى المتوسط سيكون متواضعاً حتى إذا نفّذت الحكومة الإصلاحات التي التزمت بها ربما لأن الهند تملك طاقات ضخمة. والرابعة أن الهند تواجه مخاطر داخلية وخارجية وهذا يعني أن تحقيق النجاح ليس من المسلمات. أما الحكومة الهندية فهي مركزية الطابع، تتمحور حول رئيس الوزراء، وتركيبتها ومنشؤها إداري أكثر من انتمائها لاقتصاد السوق، وتركز على المشاريع أكثر من تركيزها على السياسة. ولم تُظهر أي ميل حيال خصخصة أو إعادة هيكلة الشركات الاحتكارية الحكومية. وهي مستمرة في تحمل أعباء الدعم الحكومي لكثير من السلع وغير قادرة على الإفلات من مراكز القوة التي تعرقل قرارات الإصلاح الضريبي مثلاً. ويوم تسلمت هذه الحكومة السلطة عام 2014 كان الاقتصاد يعاني صعوداً منفلتاً في معدلات تضخم أسعار المستهلك، وعجز مالي محدود. واستفاد الأول من تراجع أسعار النفط ليتراجع من 10% عام 2013 إلى 6% عام 2015. ومن المتوقع أن يتراجع العجز الحكومي بنسبة 1% من الناتج الإجمالي المحلي ليصل إلى 3.5% خلال السنة المالية المنتهية في إبريل/نيسان 2016. ولم يزد معدل النمو الاقتصادي على 5.3% مقارنة مع توقعات وزارة المالية عند 7%. في ظل هذه الأرقام يبدو الأداء مقنعاً، فهل يستمر كذلك؟ هناك فرصة طيبة خاصة أن البنك المركزي سيتمكن من خفض معدلات أسعار الفائدة التي تبلغ حالياً 6.75% خلال الأشهر القليلة المقبلة. ورغم وجود مؤشرات إيجابية، منها انتهاء موسم الجفاف، فإن التفاؤل على المدى القريب يحتاج إلى مبررات، خاصة أن صادرات البلاد لاتزال ضعيفة في الوقت الذي تتراجع فيه العمليات الائتمانية وتنكمش الاستثمارات حتى بلغت نسبتها إلى الناتج الإجمالي المحلي 34.2% عام 2015 مقارنة مع 39% عام 2013. وتستطيع الهند الاحتفاظ بمعدلات النمو الحالية في المدى المتوسط. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن نصيب الفرد الهندي من الناتج القومي يعادل 11% من قيمة مثيله الأمريكي، ما يعني أن هناك أفقاً واسعاً لتحقيق النمو السريع. كما أن اقتصاد الهند متوازن جداً بحيث إن التحول الدراماتيكي لا يمكن أن يحدث خاصة في ظل الأزمة. أضف إلى ذلك أن التطورات الإيجابية تبدو قادمة لا محالة بدءاً من تسريع مشاريع البنى الأساسية ومروراً بالانفتاح على الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتفعيل دور الإدارة وتحسين أداء القطاع العام خاصة القطاع المصرفي وانتهاء بسن التشريعات المناسبة خاصة قانون الحماية من الإفلاس. ولاتزال هناك حاجة لمزيد من التغيير، خاصة أن الهند انتقلت من النظام الاشتراكي إلى الرأسمالية تدريجياً، وهناك أعباء ثقيلة فيما يتعلق بنظام العمل وتطوير دور القطاع الخاص . ولا شك أن تزايد ضغوط الطبقة الوسطى يشكل عنصر الضمان الأكيد لتنفيذ المزيد من الإصلاحات، خاصة في النظام التعليمي والقدرات التنافسية للمنتجين. وقد لا يمضي وقت طويل قبل أن تتصدر الهند معدلات النمو الاقتصادي لتكون نموذجاً يحتذى على المستوى العالمي.

مشاركة :