توقع تقرير لصندوق النقد العربي، أن تسجل الدول العربية نمواً يتراوح حول 2.8 في المائة خلال العام الجاري 2016، ذلك قبل معاودته الارتفاع إلى 3.1 في المائة عام 2017، في ظل التوقعات باتجاه الأسعار العالمية للنفط نحو الارتفاع وبفرض تحسن الأوضاع الداخلية في عدد من البلدان العربية وتعافي النشاط الاقتصادي العالمي. وأشار التقرير الذي حمل عنوان "آفاق الاقتصاد العربي" إلى التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي خلال العامين المقبل، متوقعا أن يعود سوق النفط العالمي إلى حالة التوازن نظراً لانحسار إنتاج النفط الصخري واتفاق دول "أوبك" على عدم رفع الإنتاج مجدداً، كما توقع أن يصل متوسط سعر النفط 40 دولاراً للبرميل خلال عام 2016، إلا أنه في المدى المتوسط قد يصعب تجاوز السعر العالمي مستوى 60 دولاراً للبرميل نظراً لإمكان عودة منتجي النفط الصخري إلى العمل دون الحاجة إلى استثمارات كبيرة. وأضاف التقرير، "يبقى التحدي الأكبر للنمو العالمي هو أداء الاقتصادات الناشئة والنامية في ظل انخفاض التجارة العالمية، وانخفاض تدفقات رؤوس الأموال إليها. بينما يعود انخفاض سعر النفط بأثر إيجابي على الاقتصادات المتقدمة، ما قد يعزز فرص نمو بعض الدول العربية المستوردة للنفط لاعتماد صادراتها على أداء شركائها التجاريين الأساسيين". ولفت إلى أن الأنظار تتجه تحديداً إلى الاقتصاد الصيني الذي يمر بفترة من التحول الهيكلي تحاول فيه الحكومة تعزيز الطلب الداخلي ليسهم في استدامة النمو الاقتصادي، وما تزال هناك دول أوروبية في حاجة إلى مزيد من الإصلاحات الهيكلية أسوة بإسبانيا التي أدت أداءً إيجابياً بعد تدشين إصلاحاتها. بينما تكون الصورة أكثر تحدياً في الدول المصدرة للسلع الأساسية، حيث يتوقع استمرار التحدي للاقتصادين الروسي والبرازيلي، بالعكس من الهند التي يتوقع أن تواصل أداءها الاقتصادي الإيجابي على خلفية الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها حكومتها خلال الفترة الماضية، بينما يستمر الاقتصاد الأمريكي في مسار النمو، رغم انخفاض الصادرات عن مستواها المتوقع، ولعل ارتفاع سعر الدولار الأمريكي يعتبر أكثر ما يؤثر في صادرات الولايات المتحدة، إضافة إلى أثره السلبي في تكلفة خدمة الدين لدى الدول الناشئة والنامية، حيث إن جزءاً من ديونها مقوم بالدولار الأمريكي. وفيما يتعلق باتجاهات النمو الاقتصادي في الدول العربية، أشار تقرير "آفاق الاقتصاد العربي" إلى استمرار تأثر الاقتصادات العربية بالتطورات في البيئة الاقتصادية الدولية، خاصة فيما يتعلق ببطء تعافي النشاط الاقتصادي العالمي والتجارة الدولية وانخفاض أسعار السلع الأساسية، وعلى رأسها النفط الذي فقدت أسعاره في عام 2015 نحو 49 في المائة من مستواها المسجل عام 2014. وفي مواجهة هذه التطورات لجأت بعض الدول العربية المُصدرة للنفط، ولا سيما دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى الإبقاء على الإنفاق العام عند مستويات داعمة للنمو مع تركيز أكبر على اعتبارات الاستدامة المالية، إضافة إلى لجوء بعضها إلى زيادة كميات الإنتاج النفطي للتخفيف من أثر تراجع أسعار النفط في توازناتها الاقتصادية الداخلية والخارجية. على الجانب الآخر وفقاً للتقرير، تواصل استفادة الدول العربية المستوردة للنفط للعام الثاني على التوالي من عدة عوامل أهمها التحسن التدريجي للأوضاع الداخلية، وما نتج عنه من دعم لمستويات الاستهلاك والاستثمار، إضافة إلى التأثير الإيجابي لانخفاض أسعار النفط والإصلاحات الاقتصادية التي شرع بعضها في تبنيها منذ عام 2011. واستناداً إلى ما سبق، تشير التقديرات إلى تسجيل الدول العربية كمجموعة معدل نمو يقدر بنحو 3.2 في المائة عام 2015، مدعوما بشكل رئيس بالنمو معتدل الوتيرة في كل من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومجموعة الدول العربية المستوردة للنفط، وهو ما سيخفف من تأثير تباطؤ معدل نمو مجموعة الدول العربية الأخرى المُصدرة للنفط. أما في عام 2016، من المتوقع أن ينعكس التعافي الهش للاقتصاد العالمي والتجارة الدولية وبقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة نسبياً على أداء الاقتصاد الكلي للبلدان العربية. وبحسب التقرير، فإنه يتوقع كذلك خلال العام الجاري ظهور أثر سياسات التصحيح المالي التي ستؤدي إلى خفض الإنفاق في عدد من الدول العربية المُصدرة للنفط في إطار سياساتها الرامية لتحقيق نوع من أنواع التوازن بين اعتبارات دعم النمو الاقتصادي وتحقيق الانضباط المالي، وكذلك من شأن التطورات الداخلية التي تعيشها بعض بلدان المنطقة أن توثر في فرص النمو عام 2016. في المقابل، سيخفف تسارع وتيرة نمو الدول العربية المستوردة للنفط جزئياً من تأثير العوامل السابق الإشارة إليها في النمو الاقتصادي للبلدان العربية كمجموعة. على صعيد مجموعات الدول العربية المختلفة، من المتوقع استمرار تباين الأداء الاقتصادي ما بين الدول العربية المُصدرة للنفط التي من المتوقع أن يشهد نموها تباطؤاً خلال عامي 2016 و2017، وبين الدول العربية المستوردة له، التي من المتوقع أن تواصل تحقيق معدلات نمو مرتفعة الوتيرة خلال تلك الفترة. ففيما يتعلق بالدول العربية المُصدرة للنفط، من المتوقع نمو اقتصاداتها بنحو 2.6 في المائة عام 2016، وارتفاعه إلى 3.1 في المائة عام 2017. وعلى مستوى الأداء داخل هذه المجموعة، من المتوقع ظهور تأثير تراجع الأسعار العالمية للنفط وسياسات التصحيح المالي في النشاط الاقتصادي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 2016، وهو ما يتوقع على ضوئه انخفاض معدل نمو دول المجلس إلى 2.5 في المائة عام 2016، فيما يتوقع ارتفاع النمو إلى 2.6 في المائة عام 2017 مدعوماً بالارتفاع المتوقع لأسعار النفط والانحسار التدريجي لأثر سياسات التصحيح المالي. أما البلدان العربية الأخرى المصدرة للنفط، فمن المتوقع أن تنمو بنسبة 3.8 في المائة عام 2016، وبنحو 6.7 في المائة في عام 2017 بفرض تحسن الأوضاع الداخلية، وهذا النمو يعكس بالأساس ضعف النشاط الاقتصادي في السنوات السابقة. على الجانب الآخر، من المتوقع تواصل النمو مرتفع الوتيرة في الدول العربية المستوردة للنفط، حيث من المتوقع أن تنمو بنسبة 3.8 في المائة العام الجاري و4.3 في المائة عام 2017، في ظل التوقعات باتجاه الأوضاع الداخلية في هذه البلدان نحو الاستقرار وتعافي القطاعات الاقتصادية الرئيسة المُولدة للقيمة المضافة نظرا للنمو المتوقع في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية.
مشاركة :