تحويل الحلم إلى حقيقة

  • 4/10/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

هناك فرق بين الحلم dream واستشراف المستقبل vision. الحلم لا يعدو أن يكون مجموعة من الأمنيات، لكن دون عزيمة وخطة واضحة للوصول إلى الهدف، بينما استشراف المستقبل أو الرؤية هي النظر إلى ما ترغب في أن تصل إليه في الأفق من خلال الإمكانات التي تمتلكها والعمل الدؤوب للوصول إلى الهدف. فالفرق بين الاثنين (الحلم والرؤية) أن الأخير يتضمن العمل، ولذلك قيل إن رؤية بلا عمل هي مجرد حلم يقظة، والعمل بلا رؤية هو كابوس. لذلك، فالقدرة على استشراف المستقبل وتوافر الرؤية الواضحة له هو سمة من سمات القيادة الناجحة، التي تميز بها جميع مبدعي العصر الحديث، من بيل جيتس، وستيف جوبز، ولاري بيج وسيرجي برين، وعمالقة المال والأعمال كوارن بافيت، وغيرهم ممن استطاعوا تحويل الأحلام إلى واقع من خلال توافر الرؤية الواضحة والعمل الدؤوب المنظم. ما أعلن عنه الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، بتأسيس صندوق سيادي ضخم سيصل قيمته إلى تريليوني دولار يعكس رؤية وليس حلما فقط لتنويع الاقتصاد السعودي والتحول إلى مرحلة يكون الاقتصاد فيها معتمدا بشكل أكبر على الاستثمارات المتنوعة، وأقل اعتمادا على النفط. هي رؤية قد يرى البعض أنها غير ممكنة التحقيق، لكنها ستتحقق فقط في حال توافر لها الخطة الواضحة والعمل الجاد. هي ممكنة التحقيق بالنظر إلى التجارب السابقة، حيث إن تحويل ملكية "أرامكو الأم" إلى حيازة الصندوق سترفع قيمته بشكل كبير إلى ما قد يتجاوز تريليوني دولار. هذا سيجعل الصندوق أكبر صندوق سيادي في العالم، ومن ثم القدرة على تنويع مصادر الدخل للمملكة. منذ سنوات والمملكة تواجه معضلة التنوع الاقتصادي لمصادر الدخل بدلا من الاعتماد على مصدر دخل واحد فقط وهو النفط. فالإنفاق الحكومي معتمد على عائدات النفط، والقطاع الخاص معتمد على الإنفاق الحكومي، وأي تذبذب في سعر النفط يؤدي إلى التأثير في الناتج المحلي النفطي وغير النفطي. وعلى الرغم من النجاح الذي تحقق خلال الفترة السابقة ببلوغ حجم الناتج المحلي غير النفطي نسبة قاربت على 50 في المائة، إلا أن الارتباط بين الاقتصاد غير النفطي وسعر النفط لا يزال مستمرا. لذلك، فإن النفط أصبح العنصر الذي تدور حوله حياة المواطن السعودي، وتاريخه ومستقبله. أصبح المجتمع - سواء الفرد أو المستثمر أو المسؤول الحكومي - يرى كل شيء من خلال سعر النفط ومن خلال حجم العائدات النفطية، وليس من خلال العائد الذي سيحققه الإنفاق ومن أين سنحصل على العائدات. هي نعمة لكنها في الوقت نفسه أوجدت اقتصادا ريعيا غير قادر على المنافسة بناء على معايير المنافسة العالمية. لذلك، فلا مناص من إحداث تحول يقلل من الاعتماد على النفط ويزيد من مصادر الدخل الأخرى. في السابق، كنا نسعى لتحفيز التنوع الاقتصادي إلى دعم الصناعة وقطاع الخدمات دون إحداث تغيير في هيكل الاقتصاد المعتمد على النفط. فاستمرت أنشطة الصناعة والتجارة والخدمات تعتمد على النفط، وتعتمد على ما تقدمه الحكومة من مزايا تتمثل في عمالة منخفضة التكلفة وحماية ودعم للصناعة من خلال التكلفة المنخفضة لمدخلات الطاقة. هذا الوضع أحدث اختلالا في توزيع الدخل، حيث أصبح رأس المال يحصل على نسبة أكبر من الدخل من العمل (والسبب أن العمل يأتي من الخارج ومنخفض التكلفة)، بينما استمرت الحكومة مسؤولة عن توظيف المواطن وعن جميع الخدمات الأخرى التي يحتاج إليها. لذلك، أصبح الاقتصاد يتميز بميزتين رئيستين: الاستثمار يمثل بحثا عن الريعrent seeking وليس سعياً إلى إيجاد قيمة مضافة تنافسية تستطيع المنافسة في الخارج. والميزة الثانية، هو أننا أوجدنا بيروقراطية حكومية كبيرة جداً أدت إلى اعتماد المجتمع عليها بشكل رئيس في العمل والتعليم والصحة entitlement society. تأسيس الصندوق السيادي الجديد سيتيح الفرصة لتغيير هذا الهيكل الاقتصادي، وجعله أقل اعتمادا على عائدات النفط، من خلال زيادة مصادر الدخل الاستثمارية الأخرى. وسيكون الصندوق الاستثماري الجديد قادرا على الدخول - بما يتوافر لديه من قدرة تفاوضية كبيرة - إلى استثمارات خارجية لم تكن متاحة له من قبل، وتحويل تقنياتها إلى المملكة لتعزيز صناعة واعدة قائمة على التنافسية وليس على الدعم لتسهم في دورها في تنويع مصادر الدخل. كذلك، يمكن للصندوق أن ينقل الكثير من النجاحات الاقتصادية السعودية إلى الخارج لتتوسع وتولد دخلا إضافيا للاقتصاد الوطني. بالطبع هذا التحول لن يتحقق خلال فترة قصيرة، لكن لا بديل عن إحداث هذا التنوع المطلوب في مصادر الدخل للتعويض عن تراجع دخل المملكة من النفط، وفي ظل الاحتياجات المتزايدة والتطلعات الكبيرة للمواطن السعودي.

مشاركة :