معالي الشيخ جميل الحجيلان والسيرة الذاتية المنتظرة

  • 4/6/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تواصل معي الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي -رحمه الله- في منتصف شهر شوال 1440هـ (يونيو 2019م) راغبًا أن أطلع على سيرة معالي الشيخ جميل الحجيلان الذاتية، فرحبت بذلك، وبعد أيام تواصل معي معاليه بهذا الشأن فقلت على الرحب والسعة، وأنا من محبي الاطلاع على السير الذاتية وقراءتها، وما هي إلا أيام وإذا بسائقه يُحضرها في حقيبة كبيرة إلى منزلي، وتتكون من اثني عشر جزءًا بحجم صغير لكل جزء وبنط كبير كي يسهل على معاليه المراجعة والقراءة. ​وقد كنت في ترقب وتشوق للاطلاع على سيرة أول وزير للإعلام في المملكة العربية السعودية، وأشهر وزير إعلام كذلك مر على هذا المنصب، وارتبط اسمه كثيرًا بهذه الوزارة، وكان اسمه يتردد في جنبات الوزارة بعد أن غادرها إذ كنت أسمع من زملائي القدامى في وزارة الإعلام، حيث عملت في المدة من (1406ـ1426هـ) جوانب عديدة من أعماله ومنجزاته وطريقته في إدارة الوزارة وحسه الإعلامي العالي المرهف ومواقفه الإنسانية تجاه موظفيه، ومن المواقف ما سمعته من وكيل وزارة الإعلام لشؤون الإذاعة الأستاذ محمد بن عثمان المنصور، إذ حدثني أنه كان في بداية عمله الوظيفي في الإذاعة في مبناها القديم في الملز يعمل في مكان مرتفع في الدور الثاني أو الثالث، وكان الوقت شتاء، وجاء معالي الوزير يتفقد العمل ويزور الموظفين، فجاء إلى المكان الذي يعمل فيه المنصور وزملاؤه، فساءه وجود نوافذ غير محكمة وأبواب غير جيدة يتسلل منها البرد ويتأذى منها الموظفون، فكلّف من يجري صيانة عاجلة خلال أيام. ​ وقد تفرغت عدة أيام لقراءة السيرة الذاتية لمعاليه وكلي ترقب لاستعادة الماضي في وزارة الإعلام الذي لم أدركه، بل إنه كُلّف بوزارة الإعلام قبل ولادتي!، ولكن السيرة لا تتحدث عن عمله في وزارة الإعلام وحدها بطبيعة الحال، وإنما طوّف بالقارئ في كل المحطات العملية التي مر بها، وأهمها لقاؤه بالملك عبدالعزيز -رحمه الله- قبيل وفاته بأشهر مترجمًا له وهو في بداية حياته الوظيفية في وزارة الخارجية في عام 1372هـ/1952م، كما أفاض معاليه في الحديث عن ولادته ونشأته في دير الزور في سورية، ثم دراسته الثانوية والجامعية في القاهرة في قص متسلسل ولغة متميزة ونَفَس أدبي، واستدعاء مذهل لذكريات تقترب من قرن كامل من الزمان.  ​والحق أن سيرة معالي الشيخ جميل الحجيلان جمعت بين (الذكريات)، و(المذكرات)، وهما لونان يرتبطان بفن السيرة الذاتية وينتميان له، ومن المؤكّد أنه قرأ عشرات السير باللغات التي يُجيدها، وهي: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، وهو ما انعكس في هذا العمل الذي جاء متماسكًا في التأريخ لحياة رجل دولة أدرك عددًا من الأحداث المهمة، وهو يتسنم مناصب عالية وزارية ودبلوماسية، فكان شاهد عيان على أحداث عصره. ​ويكشف العمل عن شخصية متعددة المواهب إذ كتب الشعر في مرحلة مبكّرة من عمره، وكتب القصة القصيرة ونشرها في بعض الصحف السعودية، وكتب التعليقات السياسية وأذاعها بنفسه في الإذاعة مدة ليست قصيرة عندما كان مديرًا عامًا للإذاعة والصحافة والنشر. ​ومن هنا فقد أسعفته هذه المواهب الكتابية، والروافد القرائية في إنجاز هذا العمل السيري المتميز بلغة عالية وذاكرة يقظة حية ترصد الأحداث وتقص الوقائع بأسلوب يجبرك على المتابعة والقراءة، مع جرأة وشجاعة في الطرح والمعالجة والتحليل لكل المواقف التي واجهته وهو يحظى بثقة الدولة: وزيرًا للإعلام، ووزيرًا للصحة، وسفيرًا في الكويت وفي ألمانيا وفي فرنسا، ثم أمينًا عامًا لمجلس التعاون الخليجي، وهو آخر عمل أُسند إليه. ​وتميّزت خدمته للدولة التي زادت على نصف قرن من 1370ـ1423هـ (1951ـ2002م) بكون بعض الأعمال التي نهض بها كانت ترتبط بالتأسيس، ولم يسبقه أحد إليها، وهو ما ضاعف المسؤولية عليه إذ التأسيس يتطلب جهودًا غير عادية من العمل المضني المكثّف، وهو ما تصدّى له بكل اقتدار، فكان أول سفير للمملكة في دولة الكويت بعد الاستقلال عام 1961م، وأول وزير للإعلام عام 1382هـ/1963م، وجاء إلى ألمانيا سفيرًا بعد إقفال السفارة عشر سنوات، فكان عملاً أشبه بالتأسيس. ​ويكفي معالي الشيخ جميل الحجيلان شرفًا أن كان موضع ثقة الملوك: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد -رحمهم الله- الذين وجدوا فيه جميعًا الرجل الوطني المخلص الكفء، فأسندوا له مناصب قيادية عالية في داخل الوطن وخارجه، فكان ناجحًا ومتميزًا وله بصمته الخاصة في كل الأعمال التي تقلدها ونهض بأعبائها. ​وقد تطلعت بعد الفراغ من قراءة العمل إلى الالتقاء بمعاليه شخصيًا والحديث معه، فرتّب لي مكتبه لقاء يوم الثلاثاء 22 شوال 1440هـ (25 /6 /2019م)، فكان لقاء مفيدًا تحدثت فيه مع معاليه عن العديد من المواقف والأحداث التي وردت في السيرة، وسعدت أيما سعادة بذاكرته القوية التي تروي أحداثًا مرت عليها سنين طويلة، بل إنه يتحدث عن أيام دراسته في القاهرة وكأنها حدثت بالأمس القريب. ​ومن المؤسف أن تظل هذه السيرة الثمينة التي تؤرّخ لصاحبها من جهة، وتؤرّخ أكثر للوطن من جهة أخرى حبيسة الأدراج ولمّا تطبع بعد رغم مرور سنوات على إنجازها، مع أن معاليه أكد في لقائه في برنامج (الليوان) في رمضان أنه بصدد طباعتها. *أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقًا الشيخ جميل الحجيلان والدكتور عبدالله الحيدري

مشاركة :