خلال خطابه عن حالة الاتحاد، أشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن بفخر بالاقتصاد الأمريكي، باعتباره موضع حسد العالم بأسره. وفي الواقع يصعب مخالفة هذا الرأي، فقد شهدت أمريكا أقوى تعافٍ اقتصادي بعد جائحة كورونا بين دول مجموعة السبع الكبار. وتراجعت معدلات التضخم السنوية بمقدار 6 نقاط مئوية عن ذروتها في صيف عام 2022، ولا تزال معدلات البطالة قريبة من أدنى مستوياتها على الإطلاق، حتى مع ارتفاع أسعار الفائدة. إضافة إلى ذلك، حلّق مؤشر «إس آند بي 500» عالياً. ورغم البيانات الاقتصادية المبهرة، التي ذكرها بايدن في خطابه، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الأمريكيين يضعون مزيداً من الثقة في قدرة دونالد ترامب على التعامل مع الاقتصاد. كما أن معنويات المستهلكين لا تزال دون مستويات ما قبل الجائحة. إذاً، ما تفسير هذا الانفصال؟ يعد تزايد الاستقطاب السياسي أحد المحركات، حيث يميل الناخبون الديمقراطيون إلى أن يكونوا أكثر تفاؤلاً بتعزيز النظرة بشأن التوقعات الاقتصادية. لكن الانقسامات الحزبية ليست سوى جزء من القصة، وفي نهاية المطاف، فإن الحقائق الاقتصادية للحياة اليومية هي الأكثر أهمية بالنسبة للأفراد. وفي الاقتصاد الأمريكي الهائل، فإن ما ينطبق على الكل؛ نادراً ما ينطبق على أجزائه. فالاقتصاد الأمريكي يتفوق على جميع الاقتصادات الأخرى في مجموعة السبع، لكنه أيضاً الأكثر تفاوتاً من حيث الدخل. وعلى غرار الاقتصادات المتقدمة الأخرى، كانت العولمة والتمويل والأتمتة وراء تزايد الفجوة بين المناطق الحضرية وغير الحضرية. وخلال المدة من عام 1980 إلى عام 2021، اتسعت الفجوة في الدخل جغرافياً داخل أمريكا بنسبة تزيد على 40%، وفقاً لوزارة التجارة الأمريكية. وشدّدت إدارة بايدن على إعادة النشاط الصناعي في المناطق المهمشة، لكن التزامات قانون خفض التضخم وقانون الرقائق تحتاج إلى وقت لبناء مصانع جديدة وتوفير فرص عمل كافية على أرض الواقع. هذه الفجوات تعني أن البيانات الاقتصادية الرئيسة القوية تخفي فروقاً ضخمة في التجارب الحياتية للأسر والشركات بجميع أنحاء البلاد. أولاً، قادت المناطق الحضرية الكبيرة، بما في ذلك مراكز التكنولوجيا والتمويل، عملية النمو الاقتصادي منذ الجائحة، بينما ظلت المناطق الحضرية والريفية الصغيرة متخلفة عن الركب. ثانياً، رغم انخفاض معدلات التضخم على الصعيد الوطني، فإن تكاليف المعيشة، التي تشكل عاملاً مهماً لتصور الناخبين عن الأوضاع الاقتصادية، تتباين أيضاً إلى حد كبير. وقد شهدت ولايات مثل نيفادا ويوتاه وأريزونا وإيداهو، حيث تشير استطلاعات إلى انخفاض معدلات تأييد بايدن حالياً لأقل من المتوسط، زيادات في الأسعار أعلى من المتوسط بين يناير 2021، وبداية هذا العام، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة «موديز أناليتيكس». إلى جانب ذلك، تتجه النتائج الربعية إلى كشف زيادة التأخر في سداد الديون أيضاً إلى مستوى أعلى بكثير من المتوسط الوطني في تكساس وفلوريدا، حيث لا يزال ترامب يحظى بدعم قوي. ثالثًا، تم دعم إنفاق المستهلكين، الذي كان قوياً رغم ارتفاع تكلفة الائتمان، من قبل أكثر الأمريكيين ثراءً، الذين يستفيدون أيضاً من ارتفاع قيمة المنازل والأسهم. لكن ثمّة مؤشرات ملحوظة على الضغط في مناطق أخرى. فقد ارتفعت نسبة المقترضين الجدد من حاملي بطاقات الائتمان من ذوي الدخل المنخفض لمستويات أعلى من مستويات عام 2019، وقد زاد عدد العاملين في أكثر من وظيفة، وحتى بعض متاجر التجزئة بالخصم تواجه صعوبات. وأخيراً، رغم أن التركيز كان منصباً على أسهم شركات التكنولوجيا «السبعة الكبار»، فإن حجم التفاؤل وخطط التوظيف في الشركات الصغيرة، التي توظف نحو نصف القوى العاملة في القطاع الخاص الأمريكي، قد انخفض. لقد فاجأ الزخم الأمريكي الأخير معظم الناس. ولكن عند التعمق، تصبح مواطن الضعف الاقتصادي في البلاد، وانقساماتها السياسية أوضح. وبالنسبة لدولة بحجم قارة، مع الفوارق الهائلة، فإن البيانات الإجمالية تظل مجهولة. وبينما تراهن الأسواق على الاقتصاد الأمريكي ويقوم السياسيون بالحملات، فمن المفيد تحليل وضع هذا الاقتصاد. تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز كلمات دالة: FT Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :