بلغ اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا أسبوعه الخامس حتى اليوم اسمياً، بمعنى أن الرعاة الدوليين لم يصدروا ورقة نعيه بعد على الأقل. وقد جادل البعض بأنه أنقذ حياة مئات الأشخاص، مقابل إحصاءات سابقة سجلت أكثر من ألف قتيل شهرياً. إلا أنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الاتفاق الذي توصلت إليه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع روسيا يعتبر بحكم غير المنجز، إذ إنه لم يوقف حتى الآن نظام الرئيس السوري بشار الأسد عن مواصلة أعماله العدوانية ضد أهداف استراتيجية في مناطق تقع تحت سيطرة قوات المعارضة التي انضمت إلى اتفاق الهدنة الموقع. كما إنها لم تفتح الممرات أمام المساعدات الإنسانية الواجب وصولها إلى تلك المناطق التي تضم مئات آلاف الأشخاص. وقد استهدفت التحركات العسكرية للنظام السوري بمجملها أحياء وضواحي دمشق، بما في ذلك المنطقة المعروفة باسم الغوطة الشرقية. أضف إلى ذلك أن الحكومة قد واصلت، وفق معلومات صادرة عن كل من الأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش، منع وصول المساعدات لست ضواح على الأقل في المنطقة، المأهولة بربع مليون سوري على الأقل، وذلك منذ انطلاق مهلة وقف الأعمال العدائية في 27 فبراير الماضي. وحتى قوافل المساعدات الإنسانية التي تمكنت من الوصول إلى بعض الأماكن المحتاجة، شهدت على تأكيد عمال الإغاثة أن الحكومة السورية جردتهم من كافة الإمدادات الطبية الأساسية، بما في ذلك المعدات الجراحية والمضادات الحيوية. وتواصلت في هذه الأثناء عمليات القصف، بحيث أغارت المقاتلات الحربية التابعة للنظام، أخيراً، على بلدة دير العصافير في منطقة ريف دمشق، وقتلت 33 شخصاً، من بينهم عدد من الأطفال، وفق ما أكده المرصد السوري لحقوق الإنسان. كما شنت الطائرات الحربية غارةً جوية استهدفت مستشفى في مدينة أعزاز الواقعة على الحدود مع تركيا، والخاضعة لسيطرة قوى المعارضة. وشنت القوى المعارضة للأسد، أخيراً، سلسلة هجمات على جنوب مدينة حلب، ومناطق شمال محافظة اللاذقية، في محاولات تهدف لاستعادة الأراضي والمواقع التي سيطرت عليها الحكومة بدعم من الطائرات الروسية. وقادت تلك الهجمات جماعة جبهة النصرة التابعة للقاعدة غير المنضوية تحت لواء الهدنة، وبمساندة من بعض عناصر الجيش السوري الحر المدعوم من الغرب. وبرر قادة الهجمات الخطوة بأنها أتت رداً على انتهاكات النظام لبنود اتفاقية وقف إطلاق النار. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر في هذا الصدد إن ما نشهده اليوم هو أن نظام الأسد يبقى أحد أكبر المنتهكين للاتفاق. أما بالنسبة للصراع السوري، فإن إدارة أوباما تفتقر للنفوذ الضروري لفرض امتثال النظام بسبب تعنّته أمام اتخاذ خطوات مثل إنشاء منطقة حظر جوي أو تأمين المزيد من الدعم العسكري لقوات المعارضة. ولا يمكن للإدارة إلا أن تأمل أن يقنع كلام وزير الخارجية الأميركية جون كيري المنمق نظراءه الروس والإيرانيين بفرض التزام الأسد. إلا أنه يجب على كيري الاستعجال بالخطوة لأنه نظراً لوتيرة تسارع الأحداث، فإن ما تبقى من اتفاقية وقف إطلاق النار لن يصمد لوقت أطول بكثير على الأرجح. بلا جدوى تبدو قوة المهمات التي شكلتها كل من روسيا والولايات المتحدة لمراقبة الخروقات التي تنتهك بنود وقف إطلاق النار من الجهتين عديمة الجدوى عملياً، في ظل المخاطر الكبرى التي تهدد بانهيارها من الأساس. ففي غياب آلية تطبيق الهدنة وفرضها، لم يبرز أي ردّ على الاعتداءات الحاصلة أو على واقع منع وصول المعونات.
مشاركة :