مجيد مرهون وليلتان من ألف ليلة وليلة

  • 4/11/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بدر.. بهذا المدخل أسبح في ملكوت الموسيقى ففي رحابها نخشع كلنا بتراتيل بوذية متسامحة... ننصاع لسطوتها الازلية نتعبد في معابدها وغاباتها المضيئة والمشمسة باوراق اللوتس، فمن رحم الحياة تولد الموهبة حتى في بيوت الصفيح والسعف. كم هي خيارات الوجود غامضة وساحرة. اليوم وغدا لن تنسى البحرين انك تملكتها ليلتين، سطوت على كل العروش المخلدة وبت انت وحدك سيد اللحظة، عظيم في نغماتك التي لن تموت، يموت الجسد وتحوم الروح في ملكوت الحانك، فتبدو المنامة وكل غيوم الوطن فرحة بحضورك، انت الذي يغيب ولا يغيب، الحاضر في جنبات سلمك الموسيقي الصاعد نحو الافق اللانهائي لعلك تقبض كبرومثيوس نارك ونورك، ايها النائم في جنبات بحر المدينة من خلفك هل تسمعنا نشجو ونهمهم ونصلي نغماتك كقديس راحل في الزمن، يوزع كلماته في لحن عذب عند بيوت الفقراء، الذين صرخت معدتهم دهراً، غير ان ارواحهم ظلت أبية تعصي الخنوع، نفخت فيهم بآلة نحاسية غريبة في وقت تجهل المدينة ما يفعله هذا الساحر المجنون في الطرقات، كنا نراك متيما بالاوركوديون وانت خارج من ازقة البؤس في حي العدامة نحو ساحل ناعس رطب، حي تلاشى لتتركه كوخزة رمح دامية في خاصرة المسيح المصلوب على الطرقات.. رحلت وغبت انت وزمنك وطفولتك وحيك ولكن شيطان موسيقاك تبقى مزلزلة لا تلين فلا احد لديه سطوة على قتلك ففي روحك الاخرى تتلبس شيطان الموسيقى العصي، فحتى جبروت الموت خر راكعًا عندك صومعتك وهرب خجلا من ان يهزم الانغام المدوية في روعتها. انشغل عنك كثيرًا ولكنك لا تغادر روحي لا تغادر من احبوك وعرفوك، ننشغل في تفاهات الزمن ورداء الانانية ولكننا لا نفلت من ذاكرتنا التي انغمست في خبزنا، كنت انت عجينته الساخنة في تنور امنا العظيمة الوطن. ننشغل عنك لا انكر ذلك في خلوتي وحصار روحي المتعبة ولكنني في خلوة الغرفة أصلي معك بطريقتنا العبثية في الوجود، بكون لا يموت في داخلنا، فتلك البراري لا يصهل فيها إلا حصانك أنت، موسيقاك الحرونة المنفلتة وهي تبحث عن فارسها ليفك طلاسم لغة لا يحسنها إلا بوزياد ونواته الموسيقية الطيبة، ففي تلك الاوركسترا الصغيرة المتواضعة سمعت سبع قطع سلختني من لحظتي الحاضرة نحو عالم بلا زمن إلا زمن الموسيقى، ففي وهجها يتربص عنفوان المتلاشي في الاثير والعدم. ننشغل عنك في انانيتنا العابرة، نسرح وتضيع اقدامنا في متاهات الوقت ولكنك تذكرنا بخيبتنا وتنتشلنا من وهدة الحسرة فنجد روحنا تتناسخ، وتتقمص من روحك، الدافئة المتعطشة للحرية لتبقى اصابعك حرة تعزف انغامك، فالاغلال تسجن كل شيء فينا إلا تلك الروح والارادة التي تأبى الاستسلام. عندما اتصل بي ذات يوم الدكتور حسن مدن من اجل اعداد ملف عن مجيد مرهون لمجلة الفجر، فما كان مني إلا طلبت كل ما تحت يدهم من مادة موسيقية وارشيفية مفيدة عن مجيد في ظروف فوضى العمل السياسي في الخارج وانشغالاته العديدة. توقفت ازاء عناوين عدة لمجيد فاخترت عنوان الموسيقى تحلق من وراء القضبان فقد تخيلت مجيد كنسر اسطوري اغريقي بلون ابنوسي يحلق بجناحيه كما فعل ديدالوس الهارب من كهفه بحثًا عن خلاص الحرية، غير ان ديدالوس تخونه اجنحة الشمع وتغدر به الشمس فيسقط ميتًا في بحر ايجة، ديدالوس رمز الحرية في عصر المتاهة لم يكن حكاية اسطورية في تاريخ الاغريق ولا الانسانية وانما حكاية محفورة في كل الازمنة. لكم انت عظيمة ايتها الحرية تلك الكلمة الحلوة، تستحقين القرابين والاضحيات المقدسة في محرابك. عندما اصدرت جمعية المنبر كراسًا بعنوان نعم اشهد اني عشت: قصة حياتي تذكرت ساعتها الشاعر التشيلي بابلو نيرودا حين كتب اشهد اني عشت وهو ينتظر الموت المتربص في الجزيرة السوداء (ايزلا نيغرا) هناك في تلك الجزيرة التشيلية ستسدل ستارة الحزن الاسود كما هي حياة الكثيرين من الفنانين والادباء، من تلك الزحمة والدهشة سيكون ميكيس ثيوداركيس موسيقار اللحظة الاسرة اذ سيلحن قصيدة النشيد العام لبابلو لتنفخ الآلات روحها في النص ليكون النشيد حيًا كموضوعة الارض والحرية والانسان.. تخترق الموسيقى زمنها الآني لتبقى في زمن مسكون مجهول المدى ففي الموسيقى يكمن الفرح والامل. كان ثيوداركيس محقًا في زمن الطغمة العسكرية في اليونان ان سلاح الموسيقى موجع لا يمكنك قهره وان الدبابة لا يمكنها وقف الاغنية. لروحك سلام منا بو رضا ومن كل احبتك في الوطن، وشكرًا لكـل مـن ساهـم في تــلك الليلة الاستثنائية لعرس مجيـد الغائـب الحــي عازف السكسفون الحزين.

مشاركة :