شكل 2023 طفرة ملحوظة لقطاع السياحة في السعودية، ولفهم التطور الكبير الذي يشهده القطاع لا بد من العودة إلى 2016 مع إطلاق رؤية السعودية لعام 2030 الهادفة إلى تنويع اقتصاد السعودية عبر دعم القطاعات غير النفطية وعلى رأسها قطاع السياحة، حيث تم وضع مستهدف للقطاع للوصول إلى 100 مليون سائح (محلي وأجنبي) بحلول 2030، ولتحقيق ذلك المستهدف كان لا بد من خطة شاملة لتطوير القطاع بكافة فروعه بداية من حركة الطيران والتأشيرات وصولا إلى البنية التحتية للقطاع التي تشمل الفنادق ووسائل النقل، ونهاية بوضع خطة للتسويق والدعاية لقدراتها السياحية. وجاء عام 2023 ليتوج حجم الجهود التي بذلت لتطوير القطاع، فعلى مستوى السياحة الوافدة فقد استقبلت السعودية خلال 2023 نحو 27.4 مليون سائح وذلك مقارنة بـ16.6 مليون سائح في 2022 بمعدل نمو وصل إلى 65 %، ومقارنة بـ18 مليون سائح استقبلتهم السعودية في 2016 عام إطلاق الرؤية. التدفق الكبير للسياح الأجانب إليها دفع معدلات الإنفاق للوصول إلى مستويات قياسية خلال 2023 لتسجل 36 مليار دولار وذلك مقارنة بـ25 مليار دولار في 2022 وبمعدل نمو وصل إلى 44 %، ومقارنة بـ11 مليار دولار في 2016. حجم الإنفاق التاريخي دفع ميزان السفر لتسجيل فائض بنحو 13 مليار دولار خلال 2023، مقارنة بنحو تسعة مليارات دولار في 2022، ومقارنة بعجز بقيمة ستة مليارات دولار في 2016. الإنجاز الكبير الذي تحقق خلال 2023 دفع السعودية لرفع مستهدفها لقطاع السياحة من جديد إلى 150 مليونا بحلول 2030 بعد تحقيق مستهدف 100 مليون سائح (محلي وأجنبي) خلال 2023. وقد كان واحدا من أهم أسباب الطفرة التي حققتها السياحة السعودية هو القدرة على التنويع، فلم تعد وجهة للسياحة الدينية فقط، لكنها تحولت إلى مركز رئيس للسياحة الترفيهية وسياحة الأعمال. على سبيل المثال فقد ارتفع عدد السياح القادمين إلى السعودية من أجل الترفيه وقضاء العطلات إلى 2.5 مليون سائح في 2022 بحجم إنفاق وصل إلى 14.2 مليار ريال وذلك مقارنة بـ850 ألف سائح في 2017 وحجم إنفاق بلغ 1.7 مليار ريال، التنوع السياحي كان مدعوما بشكل أساسي بعدد من العوامل أهمها تحول مدينة الرياض إلى مركز سياحي وثقافي وترفيهي ورياضي عالمي وذلك عبر استضافة أهم الأحداث والفعاليات العالمية التي تجذب السياح من مختلف دول العالم وعلى رأسها موسم الرياض، الذي تحول إلى حدث عالمي جاذب للمؤثرين والزئراين في المنطقة والعالم. وعلى الرغم من النجاحات الكبيرة التي حققها القطاع في 2023، إلا أن رحلة السعودية للمنافسة عالميا في قطاع السياحة والتحول إلى وجهة مفضلة لملايين السياح حول العالم ما زالت في بدايتها، حيث ينتظر القطاع في الأعوام المقبلة تطورات من المتوقع أن تحدث طفرة وعلى رأسها المشاريع العملاقة التي تقوم بها السعودية، مثل نيوم والدرعية والقدية ومشروع البحر الأحمر إضافة إلى برنامج تطوير المدن التاريخية بجانب المشاريع العملاقة الأخرى في مكة والمدينة. حيث من المتوقع أن تضيف السعودية عبر مختلف تلك المشاريع نحو 250 ألف غرفة فندقية بحلول 2030، بجانب عملية تطوير البنية التحتية فالسعودية في انتظار استضافة كبرى الأحداث العالمية في الأعوام المقبلة التي سترفع من تدفقات السياحة الوافدة، وعلى رأسها معرض أكسبو الرياض 2030، وكأس العالم 2034 إضافة إلى كأس آسيا 2027 ودورة الألعاب الآسيوية 2034، بجانب المؤتمرات والفعاليات السنوية التي تجذب عشرات الآلاف من الزائرين مثل ليب وغيرها من الفعاليات الأخرى. ختاما، فإن السعودية تسير في طريقها بخطى متسارعة لتحقيق التنويع الاقتصادي عبر قطاعاتها غير النفطية ومنها قطاع السياحة، حيث أصبحت بفضل التطورات أهم وجهة للسياحة في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها تحولت للمنافسة عالميا، ومع استمرار التطور فمن المتوقع أن تقتنص نسبة أكبر من كعكة السياحة العالمية مع التحول لوجهة مميزة للسياح الباحثين عن وجهات جديدة وأنشطة مختلفة توفرها مثل الترفيه والسياحة العلاجية إضافة إلى أنشطة الحج والعمرة.
مشاركة :