تتباين طرق علاج الاكتئاب حسب شِدّته وطبيعة الأعراض البادية على الإنسان، فقد لا تكون هناك حاجة ماسّة إلى تناول أدوية الاكتئاب ما دام الاكتئاب طفيفًا، بل مُجرّد تغيير نمط المعيشة، مثل ممارسة التمارين الرياضية والتغذية الصحية مع العلاج النفسي قد يتكفّل بدحر ذلك الاكتئاب، أمّا لو كان الاكتئاب شديدًا فقد لا يُستغنى عن أدوية الاكتئاب لتجاوزه، فما مزايا وعيوب كل طريقةٍ علاجية؟ وهل ينبغي تجربة العلاج النفسي والدوائي معًا؟ تتميَّز أدوية الاكتئاب بسهولة التناوُل والالتزام بها كل يوم، وهذا على النقيض من التمسُّك بعلاجٍ منتظم كالعلاج النفسي، أو أنشطة الرعاية الذاتية، مثل التمارين الرياضية والتغذية السليمة التي قد تُربِك بعض الناس، وهذا لا يحدث مع أدوية الاكتئاب. أيضًا تُساعِد أدوية الاكتئاب في تنظيم مستويات النواقل العصبية في الدماغ، مثل السيروتونين، التي يُظنُّ أنّ لها دورًا مباشرًا في الاكتئاب. أدوية الاكتئاب ليست مثالية، فهي لا تخلو من بعض العيوب والأضرار، التي من أبرزها ما يلي: قد تُسبِّب أدوية الاكتئاب بعض الآثار الجانبية، شأنها شأن أي دواءٍ يتناوله الإنسان، مثل: وهذه الآثار الجانبية يُمكِن احتمالها غالبًا، كما أنَّ فوائد الدواء تتجاوز هذه الآثار الجانبية عادةً، أمَّا لو زادت حِدّة الآثار الجانبية على الإنسان، فينبغي استشارة الطبيب لاتّباع نهجٍ علاجيٍ مُغاير، أو استخدام دواءٍ آخر. أيضًا قد تُسبِّب أدوية الاكتئاب في الأسابيع الأولى من تناولها أفكارًا انتحارية، وربّما يكون ذلك بسبب الشعور بالقلق بصفته أحد الآثار الجانبية، والذي قد يزيد أعراض الاكتئاب سوءًا في مبدأ العلاج، وهذا النوع من الآثار الجانبية يُصِيب 4% فقط مِمَّن يتناولون أدوية الاكتئاب، وهو أكثر شيوعًا عند الشباب، حسب مركز الإدمان والصحة العقلية "Centre for Addiction and Mental Health". أحد العيوب الملحوظة في أدوية الاكتئاب أنَّها تستغرق بعض الوقت حتى يبدأ عملها ويتضح تأثيرها على المُكتئب، فمثلاً مُثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائية - أحد أنواع أدوية الاكتئاب - تستغرق 2 - 8 أسابيع قبل أن يُلاحِظ المريض أثرها عليه، ومن دلائل نشاط أدوية الاكتئاب تحسُّن النوم، وطاقة الجسم، وكذلك الشهية. يُعدّ العلاج النفسي فرصة فريدة لمعرفة المزيد عن نفسك، وكيف تُعالِج دماغك الأفكار والعواطف الدائرة فيها، كما يُساعِدك أيضًا في التعامل مع التحدّيات المُستقبلية التي قد تواجهها، وهذا لا تفعله أدوية الاكتئاب مهما بلغ شأنها. ويُساعِد العلاج النفسي في استكشاف كيفية وسبب تفاعلك مع الأمور مِن حولك بالطريقة التي تتفاعل بها حاليًا، والتي قد تكون سبب الاكتئاب، وكذلك تعلُّم ردود الفعل التي قد تُساعِدك على مواجهة الاكتئاب، والأخرى التي تزيده كي تتفاداها. ويُساعِد المُعالِج النفسي عبر هذه الطريقة المريض في: أيضًا لا يحمل العلاج النفسي أي آثارٍ جانبية بخلاف أدوية الاكتئاب. اقرأ أيضًا:هل يمكن أن يكون الاكتئاب وراثيًّا؟ رُبّما يخاف بعض الناس من الانخراط في العلاج النفسي، لعدم الرغبة في مُكاشفة أحد بشأن أفكارك ومشاعرك، أو مُشاركته قلقك الدائم، وذلك خوفًا من الحُكم عليك من قِبله، وهذا النوع من العلاج لا يتم إلّا في جوٍ تحفّه الراحة بين المريض والمُعالِج، وهذا قد يستغرق وقتًا أحيانًا بالنسبة إلى بعض المرضى، فقد لا يتجاوب المريض مع المُعالِج من أول وهلة. بل قد لا يعرف المُكتئب ما إذا كان المُعالِج مناسبًا أم لا إلَّا بعد الحصول على 3 أو 4 جلسات معه، لكن إذا كُنتَ مُنفتحًا مع المُعالِج، فمن الممكن التغلُّب على الاكتئاب بكل تأكيد. يعتمد تفضيل أحد الخيارَين على الآخر على طبيعة الأعراض التي يُعانِيها المريض ودرجة الاكتئاب، فحسب بحثٍ أشار إليه "Psychcentral"، فإنَّ مضادات الاكتئاب تعمل بصورةٍ أفضل في حالات الاكتئاب المتوسط والشديد والمزمن، لكنّها ليست ضرورية لعلاج الاكتئاب الطفيف. ويُناسِب العلاج النفسي الاكتئاب الطفيف أكثر من الأدوية، بل يُمكِن علاج بعض المرضى بالعلاج النفسي فقط مع تنظيم جدول النوم، والتغذية، وممارسة التمارين الرياضية، وكلُّ ذلك يعود في النهاية إلى تقدير الطبيب وتقييمه لحالة المريض. وأشارت جمعية علم النفس الأمريكية "American Psychology Association" إلى أنَّ العلاج النفسي خيار فعّال لمن لا يستجيبون لأدوية الاكتئاب. جديرٌ بالذكر أنَّ ما يقرب من نصف المرضى يستجيبون لأدوية الاكتئاب، حسب "Psychcentral"، لكن واحد من كل 3 لا يستجيب للأدوية على الإطلاق، ومِنْ ثمَّ فقد يستجيب هؤلاء للعلاج النفسي فقط، أو لمجموعة من أدوية الاكتئاب لا دواءً واحدًا فقط. اقرأ أيضًا:الاكتئاب المبتسم.. عندما تحزن نفوسنا ويخدعنا المظهر أيضًا لا تتعامل أدوية الاكتئاب مع أسباب الاكتئاب، وإنَّما غايتها تخفيف الأعراض؛ لذلك قد يؤدي التوقف عن تناولها إلى احتمال تجدُّد الاكتئاب مستقبلاً، بينما يغوص العلاج النفسي في أعماق الإنسان لمعرفة سر ذلك الاكتئاب، والطرق الصحيحة للتعامل معه، وتغيير الأفكار والسلوكيات. العلاج النفسي فعَّال في معظم الأحيان، ولا بأس من تجربته لبعض الأسابيع والانقطاع عنه إن لم تجده فعّالاً، لكن لا يصلح ذات الأمر مع أدوية الاكتئاب؛ لأنّ التوقف عن تناولها فجأة يُنذِر بمشكلاتٍ صحية خطيرة. كذلك قد تُؤدِّي بعض التغييرات في نمط المعيشة، مثل تحسين النظام الغذائي، وممارسة التمارين الرياضية، والتقيُّد بعادات نومٍ صحية إلى تخفيف أعراض الاكتئاب، ومِنْ ثمَّ لا تكون هناك حاجةٌ إلى الأدوية. أمّا لو بلغ الاكتئاب درجةً يصعب معها تغيير نمط المعيشة، فرُبّما يشرع الطبيب في وصف أدوية الاكتئاب للتعامل معه قبل تجربة العلاج النفسي. تُساعِد أدوية الاكتئاب في تخفيف الأعراض على الأمد القصير، لكن الأدوية لن تبلغ أقصى فعالية لها على الأمد الطويل مقارنةً مع تناولها بجانب العلاج النفسي، حسب "Psychcentral". يُساعِد العلاج النفسي في إدارة الاكتئاب على الأمد الطويل، وتعلُّم سبل التعامل معه، فسوف يُفِيدك حتى لو لم تعُد تحضر جلسات العلاج النفسي، أمّا الدواء ففعّاليته مرهونة بتناوله فقط. صحيحٌ أنَّ أدوية الاكتئاب تُخفِّف الأعراض حتى من دون العلاج النفسي، لكن تناولها دون ذلك العلاج النفسي إلى جانبها لن يُحقِّق النتائج المثالية على الأمد الطويل. تُشِير بعض الأدلة إلى فعالية النهَجين العلاجيين معًا في التغلُّب على الاكتئاب، مقارنةً بما يكون عليه الحال إذا كان كلّ منهما منفردًا، وحسب دراسةٍ في "jamanetwork"، فإنَّ 72.6% من المُشاركين الذين تلقّوا علاجًا نفسيًا ودوائيًا تعافوا من الاكتئاب، مقارنةً بـ 62.5% مِمّن اقتصر علاجهم على أدوية الاكتئاب فقط. أيضًا يُفِيد العلاج النفسي إلى جانب أدوية الاكتئاب بصورة ملحوظة في حالات الاكتئاب الشديد، كما بلغت نسبة التعافي من التزام العلاج النفسي والأدوية معًا 81%، بينما انحسرت هذه النسبة إلى 51% لمن اعتمدوا على أدوية الاكتئاب وحدها.
مشاركة :