أنعش المسلسل الأسطوري «خيوط المعازيب» الحكايات السعودية في كل مدينة من أهلها وطبيعتها وحياتها اليومية، تتشارك في الهموم، وتتحد في التقاليد والعادات، وتختزن قصص متنوعة، جاء هذا المسلسل من الأحساء، وهي التي صدرت رجالها الأوفياء، وتمرها الفاخر، وبشوتها الملكية الشهيرة، وعلى أطرافها تحفظ أرضها أكبر مخزون نفطي في العالم. قبل سنوات زرت الأحساء فعجبت من هذا التكوين الآسر لأسواقها وعمل أهلها بها بفخر واعتزاز. جاء «خيوط المعازيب» بحبكة درامية ونقل للحياة الحساوية من صنع أهلها رواد الدراما السعودية عبدالمحسن النمر، وإبراهيم الحساوي، وسمير الناصر وعلي الشهابي والقادم بقوة فيصل الدوخي، ومعهم كوكبة من الوجوه الجديدة التي أنتجها الحراك الفني المتواصل في الأحساء، حبكتها قصة الفنان حسن العبدي وورش نص لها ذات الروح الحساوية. أستعيد هنا النجاح الساحق لمسلسل «السراج» للكاتب الراحل حسين جبران كريري، وإخراج خالد الطخيم، وبطولة ناصر القصبي وعبدالله عسيري، حيث كان موعد بثه بعد صلاة المغرب ونقل تاريخ منطقة جازان من عاداتها، وتقاليدها، ولهجتها. بين «السراج» و»خيوط المعازيب» ما يقارب ربع قرن ومازال تعطي دروساً تتجدد أن التميز والبصمة الفريدة تأتي من الدراما المحلية بتفاصيلها، وهمومها، وتقاليدها الخاصة التي لا تشبه غيرها. في المملكة «13» منطقة تتفرع منها مدن وقرى بها تاريخ، في الجنوب قصص أبها، وظهران الجنوب، ورجال ألمع، وجازان قصص الحياة الزراعية والتحولات الاجتماعية وحروب العثمانين، التي حكا شيء منها الروائي حسن عامر الألمعي في رواية «رصاص في بنادق الآخرين»، وفي الشمال حياة الجوف التي كتبها في سيرته الذاتية الدكتور عبدالواحد الحميد في كتابه «سنوات الجوف» من ليالي الشبه في القرى المتناثرة حتى تكونت منطقة حضارية، وتاريخ «خط أنابيب التابلاين» الذي صدر في كتاب للمؤلفين ماجد المطلق ومطر العنزي، وذكرا دوره في تنمية منطقة الحدود الشمالية. لو خرجنا كل عام بمسلسل مناطقي يجد الدعم والفرق المحترفة في تطوير النصوص، وتنفيذ العمل، وتصميم المواقع، وبذات اللهجة سنكون خلال سنوات قد وثقنا تاريخ التنمية والتحول الضخم في المملكة، وحفظنا حكايات يعرف العالم أننا وطن في كل جزء منه رجال يجمعهم الولاء المتواصل للقيادة، والعمل الدؤوب لصناعة فارق تنموي يستثمر المتاح ويطوره للحاق بكل تقدم عالمي.
مشاركة :