تعاني بريطانيا، كغيرها من المجتمعات الغربية، من مشكلة في التعاطي مع صغار السن الذين يقومون بتصرفات مخلة بالآداب الاجتماعية. وتكمن هذه المشكلة في واقع أن هذه التصرفات لا تصل في أحيان كثيرة إلى مصاف الجرائم التي يعاقب عليها القانون، كما أن القائمين بها أطفال صغار لا يزالون تحت سن البلوغ القانونية. وما يزيد تعقيد المسألة أن الأهل لا يمكنهم قانوناً اللجوء إلى «ضرب» أولادهم إذا ما أصروا على التصرّف في شكل مسيء لآداب المجتمع، وهو أمر قد لا يكون مستحباً لكنه شائع في بلدان عدة تعطي الأهل هامشاً أوسع في حرية «تربية» أطفالهم المشاغبين. وغالباً ما يتم التعبير عن التصرّفات المخلة بآداب المجتمع من خلال تجمّع عدد من الصبية عند ناصية الطريق حيث يتعاطون المشروبات الكحولية أو يدخنون السجائر والحشيشة، في تصرّف يثير قلق المسنين خصوصاً، إذ إن حالات كثيرة سُجّلت وتم فيها سلب أو اعتداء على كبار السن على أيدي مجموعة من الأحداث. وقد تشمل هذه التصرّفات قيام أطفال صغار بمزاولة كرة القدم أمام منزل الجيران وركل الكرة مراراً وتكراراً في اتجاه نوافذ البيت من دون أن يكون ساكنوه قادرين على طرد الأطفال أو وقفهم عن مواصلة «الإزعاج». ومن هذه التصرفات أيضاً إطلاق مكبرات الصوت في شكل مرتفع ما يسبب إزعاجاً للجيران. وللتعاطي مع هذه المشكلة استحدثت الحكومة البريطانية خلال عهد حزب العمال (1997 - 2010) قانوناً يُعرف بـ «أوامر التصرفات المخلّة بآداب المجتمع» ASBO، ويطاول أي شخص يتجاوز الـ10 سنين ويخل بآداب المجتمع، مثل أن يتصرف وهو «ثمل» أو في شكل ينمّ عن «تهديد» للآخرين، أو يقوم بأعمال تخريب أو كتابة شعارات ورسومات وكتابات على الجدران، أو إطلاق عنان جهازه الموسيقي خلال الليل. وأي شخص يقوم بمثل هذه التصرفات يمكن أن يصدر ضده «أمر التصرف المخل بآداب المجتمع». ويعاقبه قانون ASBO بأن يمنعه من حق القيام بتصرفات معينة مثل: الذهاب إلى مكان محدد كساحة الحي الذي يقيم فيه، أو قضاء وقت مع مجموعة من رفاقه المعروفين بأنهم «مشاغبون»، أو تعاطي الكحول في الأمكنة العامة. وإذا ما صدر مثل هذا الأمر ضد طفل ما، فإن تطبيقه يمكن أن يستمر عامين، إلا إذا تحسّن تصرف الطفل. كما أن خرق أمر الـ «اسبو» يُعتبر مخالفة جنائية تسمح بأخذ الطفل إلى المحكمة التي يحق لها إصدار عقوبة بحسب مستوى المخالفة وعمر المخالف. ويمكن المحكمة أن تفرض غرامة مقدارها 250 جنيهاً إستـرلينياً على الأطفال المخالفين بين 10 سنين و14 سنة، وألف جنيه على الأطفال المخالفين بين عمر 15 سنة و17 سنة. وإذا كان الطفل لم يتجاوز الـ16 سنة فإن الغرامة تُفرض على أهله. لكن هذا القانون لا يبدو أنه يؤدي إلى النتيجة التي تودها الحكومة البريطانية التي يقودها المحافظون حالياً، وهي التقليل من التصرفات المخلة بالآداب في المجتمع. لذا، اقترحت حكومة ديفيد كامرون توسيع نطاق تعريف ما هي التصرفات المخلة بآداب المجتمع كي تتمكن أجهزة تنفيذ القانون من معاقبة أكبر نسبة ممكنة من المخالفين الذين يثيرون الرعب في مناطق سكنهم أو يشوّهون سمعتها. ولهذه الغاية تقترح الحكومة الاستعاضة عن قانون «أوامر التصرفات المخلة بآداب المجتمع» بآخر جديد هو قانون «منع الإزعاج والمضايقة». وفي حين يستهدف الأول التصرفات التي تُعتبر أنها كناية عن «تحرش، أو تسبب قلقاً أو ضيقاً» للآخرين، فإن القانون الجديد المقترح يستهدف التصرفات «القادرة على التسبب في إزعاج أو مضايقة» للغير. لكن هذا التعديل المفترض أن يصوّت عليه في مجلس العموم قبل أن يصبح قانوناً، يلقى معارضة متزايدة من منظمات مختلفة، لا سيما من جمعيات الرعاية بالأطفال. وقد أطلقت جمعية «اللجنة الدائمة للعدالة للأحداث» حملة لجمع التواقيع التي تطالب الحكومة بإبقاء تعريف التصرّف المخلّ بآداب المجتمع كما هو وارد في القانون السابق، معتبرة أن القانون الجديد «يجرّم الأطفال لمجرّد قيامهم بتصرفات عادية». وسرعان ما جلبت هذه الحملة تأييد جمعيات أهلية عدة تُعنى بالأطفال. وكتبت نتالي ويليامز من «جمعية الأطفال» (تشيلدرن سوسايتي): «إننا قلقون للغاية، إن هذا التعريف الجديد للتصرف المخلّ بآداب المجتمع بالغ الغموض (أو الالتباس) ويوسّع نطاق من يشمله (خرق القانون) في شكل كبير جداً. إنه يخاطر بتجريم الأطفال بسبب تصرفات عادية يقومون بها، ويجلبهم إلى نظام العدالة الجنائية. لهذا السبب، نحن ندعم عريضة اللجنة الدائمة للعدالة للأحداث التي تطالب الحكومة بأن تبقي التعريف الحالي كما هو». معارضة ناشطين ومنذ إعلان الحكومة في عام 2011 نيتها تعديل تعريف القانون وهو يلقى معارضة متزايدة من منظمات مختلفة بينها «بلاي إنغلاند» (جمعية تهدف إلى توفير فرصة للأطفال واليافعين لمزاولة الرياضات مجاناً في مناطق سكنهم) و «ليبرتي» (منظمة حقوقية) و«تحالف العدالة الجنائية» و «العدالة». وفي رأي هؤلاء المعارضين، فإن القانون الجديد «يمكن أن يعني أن أطفالاً، لم يتجاوز عمرهم أكثر من 10 سنين، يمكن أن يصدر ضدهم أمر (عقوبة) وفق قانون الإزعاج والمضايقة لقيامهم بتصرّف قد لا يكون مؤذياً، كلعبهم كرة القدم أو تسلّقهم شجرة، لمجرد أن شخصاً آخر يجد هذا التصرّف مثيراً للإزعاج». كما أن عقوبة خرق القانون الجديد أكثر صرامة من السابق، وفق ما يرى منتقدو جهد حكومة المحافظين. إذ إنه يمكن أن يؤدي إلى عقوبة السجن ثلاثة أشهر للأطفال بين سني 14 و17 سنة، وهو أمر ليس وارداً في القانون السابق. وفي هذا الإطار، قالت ويليامز من «جمعية الأطفال»: «مثل هذه العقوبة، في نظرنا، لا تتوافق تماماً (مع درجة التصرّف الذي يقوم به الطفل ويُعاقب عليه». ولا يعاقب القانون الجديد المقترح ولا السابق الأطفال لمجرد «تسكعهم» في إطار مجموعات عند ناصية الطريق أو في ساحة الحي، مع العلم أن مثل هذا التصرف هو أكثر ما يثير قلق المواطنين البالغين، وفق ما أظهرته استطلاعات للرأي في خصوص الجريمة بين الأعوام 2004 و2009. إذ إن مجرّد تجمع مجموعة من الأحداث في إطار جماعة يمكن أن يثير قلق كبار السن من إمكان تعرّضهم لاعتداء أو تحرّش لا يقوون على التصدي له بمفردهم. وحتى «رابطة قادة الشرطة» تقف، كما يبدو، ضد تعديل القانون القديم، إذ حذّرت من أن «لديه قابلية أن يُستخدم في شكل غير ملائم»، ويمكن أن يؤدي إلى «تجريم غير ضروري» للأطفال. ويقول ناشطون في مجال العمل مع الأطفال إن التصرفات المخلة بآداب المجتمع هي ظاهرة غالباً ما تكون مرتبطة بحاجات لا تُلبى لدى الأطفال. كما أن كثيرين من هؤلاء الذين لديهم مشكلة مع القانون يعانون من إعاقات ذهنية أو لديهم صعوبة في التعلّم. كذلك، فإن نسبة مرتفعة منهم لديها تجربة في التعرّض للإهمال أو سوء المعاملة، أو أنها كانت موضوعة تحت الرعاية الاجتماعية بعيداً من الأهل، أو أنها تعرّضت للطرد من المدرسة، أو تنتمي إلى فئات اجتماعية محرومة.
مشاركة :