قال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، إن الصراع الدامي الذي يشهده السودان يسجل أسوأ حقبة في تاريخه منذ الاستقلال، وقد هجر ما يقارب 11 مليون سوداني بيته وقريته إلى قرى وأماكن نائية بل وإلى بلاد مجاورة، تاركين ممتلكاتهم ومدخراتهم عرضة لنهب مسلحين، بعضهم ليسوا من السودان نفسه، في وقت صارت الأنشطة الإنسانية شبه متوقفة، وبدأ شبح المجاعة يطل على الدولة التي كانت آمال الإقليم تتطلع إليه، ليكون سلة غذائه. وأضاف زكي في كلمته أمام المؤتمر الإنساني الدولي للسودان وجيرانه، أن الجامعة العربية تعتبر استعادة السلام والأمن والاستقرار في السودان من بين أهم أولوياتها، واعيةً بمحورية وأهمية هذا البلد الكبير في ترتيبات الأمن الإقليمي والدولي. وأشاد بالجهود الدولية الرامية لمعالجة الوضع الإنساني المتدهور في السودان، وعلى رأسها هذا المؤتمر الدولي الهام الرامي إلى تعزيز قدرة المجتمعات السودانية والمجتمعات المضيفة في البلدان المجاورة على مواجهة الأزمة الإنسانية. وجدد النداء الذي أطلقه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط قبل شهر رمضان لحقن دماء السودانيين، مؤكدا ضرورة اصطفاف المساعي العربية والدولية مع آمال ملايين الشعب السوداني الراغبة في إنهاء هذا الصراع الدامي وإنقاذ مستقبل السودان والسودانيين. يأتي ذلك في الوقت الذي يُفتتح في باريس، الإثنين، مؤتمر دولي حول السودان في الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب، التي أنتجت أزمة منسية ذات عواقب إنسانية كارثية ومخاطر جيوسياسية كبيرة. ويشمل الاجتماع الذي تشارك ألمانيا خصوصا في رئاسته، شقّا سياسيا في الصباح، على المستوى الوزاري، لمحاولة إيجاد مخرج للنزاع، وشقّا إنسانيا هدفه تعبئة التبرعات وتقديم معونة ضخمة لهذا البلد المدمر في القرن الإفريقي. كما يضم اجتماعا لنحو 40 شخصية من المجتمع المدني. وقال كريستوف لوموان، نائب الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية «الفكرة هي إعادة الأزمة إلى صدارة جدول الأعمال. يجب ألا يُسمح بأن يصبح السودان أزمة منسية». وشددت الخارجية الفرنسية على أن «الاهتمام الدولي ينصب على غزة وأوكرانيا أكثر من السودان»، مشيرة إلى أن الأزمة السودانية «إنسانية ولكن جيوسياسية أيضا». وقالت إن «خطر تفكك السودان وزعزعة استقرار القرن الإفريقي بكامله كبير جدا». وتستضيف باريس المؤتمر الدولي من أجل السودان بعد مرور عام بالضبط على بدء الحرب بين الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي. وخلال عام واحد، أدّت الحرب في السودان إلى سقوط آلاف القتلى بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في إحدى مدن غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة. كما دفعت الحرب البلاد البالغ عدد سكانها 48 مليون نسمة إلى حافة المجاعة، ودمرت البنى التحتية المتهالكة أصلا، وتسبّبت في تشريد أكثر من 8.5 مليون شخص بحسب الأمم المتحدة. وشددت منظمة «العمل لمكافحة الجوع» (أكسيون كونتر لا فان) غير الحكومية، على الحاجة إلى تحرك عاجل في تشاد لتوفير المساعدات إلى اللاجئين الذين يتدفقون عبر الحدود من السودان المجاور. بدوره، أكد مدير السودان في المجلس النروجي للاجئين وليام كارتر أن «المدنيين يعانون الجوع، العنف الجنسي الهائل، المجازر العرقية على نطاق واسع، والاعدامات ورغم ذلك، يواصل العالم الإشاحة بنظره». وشدد في بيان على أن «اليوم (الذكرى السنوية) يمثّل محطة مخزية للطرفين المتحاربين في السودان، بالإضافة الى المجتمع الدولي الذي ترك هذه الكارثة تزداد سوءا». وفي حين يحتاج نحو 25 مليون شخص في السودان، أي نحو نصف عدد السكان، إلى المساعدة، حذّر رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود جان ستويل في بيان من فراغ انساني يثير القلق للغاية. وتابع «إضافة الى الوفيات المرتبطة بأعمال العنف، نرى الأطفال يتوفون جراء سوء التغذية ونقص اللقاحات، ونساء يعانين مضاعفات بعد ولادات خطرة». وأوضحت الخارجية الفرنسية أن تمويل النداء الإنساني للأمم المتحدة في العام الماضي لم يبلغ سوى النصف. هذا العام، لم تتخط نسبة التمويل الخمسة في المئة، مؤكدة أنها لا تتوقع سدّ هذا العجز خلال مؤتمر باريس “لكن نأمل في أن يستيقظ المجتمع الدولي. وسيسعى مؤتمر المانحين في باريس إلى معالجة ضعف تمويل الطوارئ في السودان والدول المجاورة والنقص الذي يبلغ أكثر من 2,5 مليار دولار. وتعثرت جهود الوساطة التي تبذلها الولايات المتحدة والسعودية منذ أشهر. وأعرب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو الخميس عن أمله في أن يساعد مؤتمر باريس على استئناف المحادثات. وعلى المستوى السياسي، من المقرر أن تعقد اجتماعات سياسية تشارك فيها دول الجوار (تشاد، ليبيا، كينيا، جيبوتي، جنوب السودان، مصر وإثيوبيا)، إضافة إلى الخليج (السعودية والإمارات)، والقوى الغربية (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنروج). كما ستحضر منظمات إقليمية مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية إيغاد، إضافة إلى وكالات للأمم المتحدة. ويأمل المجتمعون في الاتفاق على إعلان مبادئ وإجراء تقييم لمختلف مبادرات إحلال السلام في السودان، وفق الخارجية الفرنسية. وتزامنا، يجتمع نحو 40 شخصا يمثلون المجتمع المدني السوداني في معهد العالم العربي في باريس. وأكدت الخارجية الفرنسية أنه ستتوافر لهؤلاء، وبينهم ناشطون ونقابيون وباحثون وصحافيون ورجال أعمال وغيرهم، مساحة للتحدث عن مسار السلام ومرحلة ما بعد الحرب. وحضّت مديرة القرن الإفريقي في منظمة هيومن رايتس ووتش ليتيسا بدر على صدور رسالة صارمة وعقوبات دولية ضد طرفي الحرب الذين «حالوا دون وصول المساعدات الإنسانية»، ونهبوا ما وصل منها، وخططوا لعمليات قتل العاملين الإنسانيين، إضافة إلى سلسلة من الانتهاكات بحق المدنيين. وشددت على أنه من الضروري أن يعقد هذا المؤتمر، لكنه لا يجب أن يصبح ذريعة لنسيان السودان مرة جديدة. ___________________________ شاهد | البث المباشر لقناة الغد
مشاركة :