مؤتمر باريس حول السودان يلقي بظلال من الشك حول جهود إنهاء الحرب

  • 4/16/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

باريس - يلقي مؤتمر باريس حول السودان بظلال من الشك بشأن تحول الملف السوداني إلى ما يشبه الملفين السوري والليبي، أي العمل على إدارة الأزمة بدل حلها. وسبق وأن احتضنت فرنسا العديد من المؤتمرات بخصوص عدد من الدول التي تشهد أزمات في المنطقة لكن تلك المؤتمرات لم تحقق أي اختراق، واقتصرت على أن تكون مجرد منصة لإطلاق تصريحات ومواقف منددة ومستنكرة دون أن يكون لها عمليا أي تأثير سواء على أطراف النزاع أو المتضررين منها. ويقول متابعون إن مؤتمر باريس بشأن السودان كان دون المطلوب رغم التعهدات المالية التي قطعت خلاله، في ظل ضعف الحضور العربي، وغياب القوى السودانية المؤثرة، باستثناء منظمات وجماعات محسوبة على المجتمع المدني. وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ختام المؤتمر عن تقديم مساعدات إنسانية تزيد عن ملياري يورو لدعم المدنيين. وقال ماكرون “يمكن أن نعلن أنه ستتم في المجمل تعبئة أكثر من مليارَي يورو”، لافتًا إلى أن الالتزامات التي سُجّلت قبل المؤتمر الاثنين بلغت 190 مليون يورو فقط. ووفق ماكرون ستساهم دول الاتحاد الأوروبي في 900 مليون يورو من التعهدات الإجمالية التي تبلغ حصة فرنسا فيها 110 ملايين. وأضاف “سيسمح هذا الدعم (…) بالاستجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحًا في قطاعات الأمن الغذائي والتغذوي والصحة والمياه والصرف الصحي والتعليم وحماية الأكثر ضعفًا”. ضعف الحضور العربي في مؤتمر باريس، وغياب القوى السودانية المؤثرة، باستثناء منظمات محسوبة على المجتمع المدني ورغم أن التعهدات بالتبرعات طموحة، فإنها لا تزال بعيدة عن مبلغ 3,8 مليارات يورو اللازم لتوفير المساعدات بحسب الأمم المتحدة. وأودت الحرب في السودان بآلاف المدنيين بحسب أرقام الأمم المتحدة التي تقول إن نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فيما يعاني نحو 3,8 ملايين طفل دون سن الخامسة سوء تغذية. ودعا الرئيس الفرنسي “بشكل رسمي” طرفَي النزاع إلى احترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين. وقال “نحثّهما على وقف إطلاق النار فورًا من أجل السماح للجهات الفاعلة الإنسانية بالوصول إلى جميع السودانيين”. وأضاف “يجب عدم استخدام وصول المساعدات الإنسانية لأغراض عسكرية”. وبالتزامن مع انعقاد المؤتمر أعلنت كلا من بريطانيا وكندا عن حزمة جديدة من العقوبات تستهدف شركات وكيانات تابعة لطرفي النزاع الذي دخل عامه الثاني. وعلى الرغم من المواقف الداعمة لإنهاء الحرب التي أعلنها المجتمعون في مؤتمر باريس، لكن التشاؤم يبقى سيد المشهد في السودان، في ظل قناعة بأنه ليس هناك إرادة دولية جدية في إنهاء الصراع، وأن الأمور تنساق نحو المزيد من التأزم، وهو ما يظهر في التصعيد الذي تشهده أكثر من جبهة. وصرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاثنين بأن الهجمات العشوائية التي “تقتل وتصيب وتروع المدنيين” في السودان يمكن أن تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ودق ناقوس الخطر بشأن تصاعد القتال في ولاية شمال دارفور. على الرغم من المواقف الداعمة لإنهاء الحرب التي أعلنها المجتمعون في مؤتمر باريس، لكن التشاؤم يبقى سيد المشهد في السودان وقال غوتيريش للصحفيين “المشكلة الأساسية واضحة.. هناك جنرالان اختارا الحل العسكري ويعرقلان حتى الآن جميع جهود الوساطة الجادة”. ويقول نشطاء إن مؤتمر باريس ركز على تقديم الدعم الإنساني من دون بلورة أي تصور عن كيفية وضع حد للنزاع، وهذا يعني أن لا حل قريبا، كما هو الشأن بالنسبة للمشهدين في سوريا وليبيا. ورغم مرور أكثر من ثلاثة عشر عاما على الصراع في كل من سوريا وليبيا، لكن المجتمع الدولي لم يحقق أي اختراق، فسوريا باتت اليوم مقسمة إلى كانتونات الجزء الأكبر منها يسطر عليه النظام، والمتبقي موزع بين المعارضة والأكراد. ولا يبدو أن الوضع أفضل في ليبيا حيث هناك سلطتان تتنازعان الصلاحيات الأولى في الشرق والثانية في الغرب فضلا عن الخلافات التي تنشب من حين لآخر بين ممثليها، على غرار ما جد مؤخرا من اشتباكات بين فصيلين في العاصمة الليبية طرابلس. ويخشى السودانيون من أن يلاقوا ذات المصير، وقد يكون الأمر بالنسبة لهم أسوأ في ظل التداخل الاثني والعرقي والجهوي، الأمر الذي يفسح المجال أمام تعقيدات قد تنتهي بالبلاد إلى دويلات. وقالت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك في كلمة لها خلال مؤتمر باريس، إن المجتمع الدولي يجب ألا يصرف نظره عن الحرب في السودان التي تسببت في أزمة إنسانية كارثية، متحدّثة عن “المعاناة التي لا توصف” للسودانيين وشعورهم بأن العالم تخلى عنهم. وأضافت أن مبادرات الوساطة المتعددة لم تثمر، داعية المجتمع الدولي إلى “العمل بشكل منسّق لجلب الطرفين المتحاربين إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى وقف لإطلاق النار”. من جهته، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنه من خلال “الضغط الدولي” فقط يمكن دفع الطرفين المتحاربين إلى التفاوض. ودعا وزير الخارجية التشادي محمد صالح النظيف كذلك إلى “ممارسة ضغط إلى جانب التمويل من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار لأنه إذا استمررنا على هذا النحو، فإن السودان معرّض للتفكيك خلال عام”. وحذّرت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين على هامش المؤتمر في باريس من أن الأزمة الغذائية التي يمر بها قد تكون “الأكبر من نوعها على الإطلاق”. وقالت ماكين في مقابلة مع وكالة فرانس برس إن الوضع في السودان “شبه كارثي”، مضيفة “حتى لو أعلنّا حالة المجاعة، سيكون قد فات الأوان”.

مشاركة :