الراي(ضوء):سجن النساء» في الكويت ليس عنواناً لمسلسل درامي سيعرض في قادم الأيام، وإنما هو عنوان لواقع مرير يعيشه عدد من النسوة القابعات خلف قضبانه، حسبما وصفت إحداهن مستذكرة في حديث لها لـ«الراي»، ما تعرضت له من مآسٍ ومعاناة وتحرشات جعلت البعض منهن يدخل السجن في قضية شيك من دون رصيد مثلاً وتخرج منه تاجرة مخدرات، أو تحبس إحداهن في جنحة سب ويطلق سراحها وقد باتت مدمنة لـ«الشبو» أو أحد مشتقاته، ومن رُحمت تصبح مدخنة شرهة للسجائر وهي التي لم تمسكها بين أناملها يوماً. المواطنة التي لجأت إلى «الراي» أول من أمس كانت للتو خرجت من السجن بعد عقوبة قضتها لفترة من الزمن خلف أسواره بعد أن ثبتت براءتها فتقول «أنا مواطنة كويتية كنت حتى قبل فترة إنسانة طبيعية تحيا حياة طبيعية، لم أكن أعرف أن حادثة لا ذنب لي فيها ستكون سبباً في إيداعي سجن النساء لتتحول حياتي وأرى ما لم أكن أصدقه لو حُكي لي أو رأيته في مسلسل درامي، فما أن وطأت قدماي ساحة استقباله، وجردنا من ثيابنا وجميع حاجياتنا التي أودعت الأمانات واستبدلناها بملابس السجن، حتى رأينا معاملة قاسية من بعض المشرفات اللاتي لا علاقة لهن بأبجديات التعامل مع النساء». وأضافت المواطنة «اعتقدت أنني وغيري ممن حبسن في قضايا جنح سنوضع في عنبر خاص بنا بعيداً عن عتيدات الإجرام وتاجرات الكيف ومرتكبي جرائم القتل، لكن المفاجأة حين أصبحن متجاورات مع هؤلاء وهؤلاء، نتعامل معهن مجبرات فتضطر الواحدة منا إما أن تعلن العصيان فتنال من العقاب ما لا يتحمله جسد امرأة، وإما الرضوخ لسطوة نسوة تجردن من كل معاني الإنسانية وهنا يبدأ تحول الواحدة منا من مواطنة كانت حتى الأمس صالحة، إلى امرأة مدمنة للمخدرات أو مدخنة شرهة للسجائر». وزادت المواطنة «لم أكن أتخيل يوماً أن أمسك بالسيجارة بين أناملي، فكيف أصدق أن أصبح مدخنة شرهة لها، ولكن ذلك أضعف الإيمان داخل السجن، والعجيب في الأمر أن ثمن (باكيت) السجائر يصل إلى 100 دينار... نعم 100 دينار، والسيجارة الواحدة بخمسة دنانير، والولاعة التي تشعلها والتي لا يتعدى سعرها 100 فلس نشتريها بثلاثين ديناراً»، مضيفة «أتمنى ألا يُفهم من كلامي هذا أنني أشجع على التدخين، بل لأتساءل ما دامت إدارة السجن قد سمحت للسجناء من الرجال بالتدخين وشراء السجائر والسماح بإدخالها إليهم عبر ذويهم فلماذا تعد من المحرمات على نزيلات سجن النساء، ما يؤدي إلى المتاجرة بها وارتفاع أسعارها بهذا الشكل؟». وزادت المواطنة «أتذكر أول أيام لي داخل السجن حين امتنعت عن الطعام والشراب حين رأيت أن ما يقدم لنا لا يرقى أن يكون طعاماً لبنات حواء، وأن المياه التي ستدخل أمعاءنا نحصل عليها من برادات مياه تعلوها الحشرات والصراصير من كل جانب، ولكن مع ازدياد الجوع والعطش، لم أملك كغيري من النزيلات الجديدات إلا التعاطي مع ما يقدم لنا من طعام، وري الظمأ من مياه لا تصلح للشرب، ناهيك عن دورات مياه لا يوجد بها أبسط ما تحتاجه من تريد قضاء حاجتها، كقارورة مياه أو خرطوم فتضطر لاستخدام ورق شبيه بالمحارم». وأردفت المواطنة «أما عن الملابس التي تُسلم لنا فأقل ما توصف به أنها لا تليق بسجينات الكويت ومواطناته نظراً لأنها رثة وشفافة تظهر مفاتن أجسادنا، والسجن لا يخلو من رجال أمن وضباط زام». وعن استعدادات الزنازين لحر الصيف تقول المواطنة «أنا قضيت فترة عشت خلالها أجواء الشتاء فلم أرَ أثراً لمدفأة وإذا وُجدت فإنها لا تعمل، كما أنني عايشت حرارة الجو خلال الأيام الماضية، فلم يُكتب لي أن أرى جهاز تكييف يعمل، والعجيب أنه في حال زيارة أحد المسؤولين من وزارتي العدل والداخلية، وجماعات حقوق الإنسان نجد كل شيء يتغير، فتشم رائحة العطور والبخور ينتشر شذاها في سائر جنبات السجن، وتُفرش الأرض وتُعلق الزينات، وحتى لا تنكشف حقيقة التجاوزات أمام زائري السجن، يتم إبعاد المشاغبات ومن يتوقع منهن الشِكاية إلى مهام خارج السجن حتى تنتهي الزيارة على خير وبعدها يعود كل شيء كما كان وأسوأ مما كان». ومضت المواطنة «في حال اضطررنا لتهريب أموال عبر ذوينا وأهلينا للإنفاق منها فإن عمولة عشرين في المئة تخصم منها تستقطعها الأيادي التي تتولى توصيلها لنا، فمثلاً إن تسلم الوسيط مبلغ 100 دينار لإيصالها إليّ تصلني بعد أيام من العذاب 80 ديناراً بعد حسم العمولة». وأردفت المواطنة «كل هذا يهون أما أن يتم التحرش بنا من بويات يقضين عقوبات بالسجن فهذا ما لا تتحمله فتاة حرة، وإذا ما رُفعت شكوى ضد من تُحرش بها لا يزيد الأمر على فتح تحقيق داخلي وإنذار، لتعود (ريما لعادتها القديمة)، وما زاد الطين بِلة أن إحدى زميلاتي في العنبر كانت تتعرض بشكل شبه يومي للتحرش ليس فقط من قبل بويات بل من مشرفة مشهورة بتحسس النزيلات بحجة تفتيشهن على الرغم من توجيه إنذارات عدة لها من قبل مسؤولي السجن، ولكن لا حياة لمن تنادي، فلم تجد بداً من توكيلي بعد خروجي برفع شكواها إلى النيابة العامة». وكما أن لكل مكان قائدا ففي سجن النساء أيضاً قائد لكنه ليس شرطياً من مسؤولي السجن -كما تقول المواطنة- وإنما هي سجينة باتت شهرتها تملأ الآفاق، وأصبحت سيرتها مادة خصبة للعديد من وسائل الإعلام، وذلك لما تتمتع به من سطوة وجبروت داخل السجن، فلا تملك الضعيفات منا إلا الرضوخ لها وإلا ينالها منها ما لا يحمد عقباه. وأردفت المواطنة «هناك عقوبات إضافية لمن ترتكب خطأ، وهذا أمر مشروع ونسمع به في كل سجون العالم، أما ما لا يعقل أو يصدقه عقل أن تُحتجز سجينة مقيدة من قدميها ويديها في غرفة مظلمة معروفة في سجن النساء باسم (الصاجة) لا يتعدى طولها وعرضها المتر ونصف المتر، ولا يدخلها الضوء إلا من نافذة صغيرة، وتمضي فيها أياماً قاسية تعجز الكلمات عن وصف بشاعتها». وفي نهاية حديثها لـ «الراي» ناشدت المواطنة نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد ووكيل وزارة الداخلية الفريق سليمان الفهد بضرورة التحقيق في أمر السجينات لاسيما اللاتي يقضين عقوبات مخففة على ذمة قضايا جنح، متمنية أن يقوما بزيارة مفاجئة إلى السجن للوقوف على التجاوزات التي يأتي بها البعض، ما يؤثر على نفسية السجينات وقد يحولهن إلى خارجات عن القانون بدلاً من إصلاحهن. 0 | 0 | 0
مشاركة :